للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم لمن أكل -ولم يكن عالما بوجوب صيام ذلك اليوم، ثم استدرك فأمسك بقية يومه- بصحة صومه، فسماه صائما، وجعل فعله صوما (١).

ولم يأمره بقضاء ذلك اليوم، فلو كان القضاء واجبا لأُمر به، فدل سكوته - صلى الله عليه وسلم - على عدم مشروعية القضاء؛ لأن (تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز) (٢).

الدليل الخامس: ولأن وجوب القضاء -إذا كان الترك بغير تفريط- يفتقر إلى دليل (٣).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أن من جاءه الخبر أن هذا اليوم الذي أفطره من رمضان، وجب عليه إمساك بقية يومه، ثم يقضي ذلك اليوم؛ وذلك لصحة أدلتهم وصراحتها ودقة وجوه الاستنباط منها، وسلامتها من المعارضة.

وأما الجواب عن ما استدل به الآخرون فيكون بما يلي:

أولا: أما قياسهم على المسافر إذا قدم وهو مفطر ونحوه, فيجاب عنه:

أن المسافر والمريض والحائض، كان لهم الفطر ظاهرا وباطنا، وهذا لم يكن له الفطر في الباطن مباحا (٤). ثم إن إفطار المسافر ومن ذُكِر محل خلاف بين الفقهاء فلا يصلح القياس عليه.

ثانيا: وأما قولهم: إن صوم اليوم الواحد عبادة واحدة، بدليل أن أوله يفسد بفساد آخره، فلا يجوز أن يكون آخرها واجبا، وأولها غير واجب، كالصلاة الواحدة. فيجاب عنه:

أن هذا يقال في حق من أبيح له الأكل ظاهرا وباطنا كالمسافر يقدم والحائض تطهر، أما هذا فقد أكل أول النهار لشبهة، لذا أوجبنا عليه إمساك آخر اليوم؛ لأن الإمساك مشروع خلفا عن الصوم عند فواته لقضاء حق الوقت (٥).

ثالثا: وأما استدلالهم بقول الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} , وقوله جل ذكره: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} , وقوله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) ينظر: المحلى بالآثار ٤/ ٢٩٣.
(٢) تنظر القاعدة في: إرشاد الفحول ٢/ ٢٦، المحصول لابن العربي ص ٤٩، نفائس الأصول ٥/ ٢٢٤٦، ورفع النقاب ٤/ ٣٥٢.
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية ٢٥/ ١١٠.
(٤) ينظر: المغني ٣/ ١٤٥.
(٥) ينظر: المبسوط للسرخسي ٣/ ٥٨، والحاوي الكبير ٢/ ٨٩.

<<  <   >  >>