للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الراجح: الذي يترجح والله أعلم هو القول الثاني: أنه لا يصح صومه إلا بنية من الليل؛ وذلك لقوة ما استدلوا به، ولأن حديث حفصة - رضي الله عنها - نص في محل النزاع.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول, فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بالآية فيجاب عنه:

"أنّ الآية تدلّ على التبييت؛ وذلك أن معنى أَتِمُّوا الصِّيامَ صيّروه تاما من الفجر، وهو لا يكون تاما من الفجر إلا بالنية، وهذا هو الظاهر؛ لأنّ إتمام الشيء لا يكون إلا لشيء قد شرع فيه، وهو هنا الصوم. وقد عَلِمتَ أن الصوم لا يكون صوما إلا بالنية؛ تمييزا للعادة من العبادة؛ إذ قد يمسك الإنسان عن الأكل حِميَة، ثم لا يكون صوما؛ لأنه لم ينو" (١).

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث سلمة بن الأكْوع ¢, وقولهم في دلالته: فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء أن يصوموا بنية من النهار, وكان صوما واجبا؛ ولولا أن الواجب يصح بنية من النهار لم يجزهم. فيجاب عنه من أربعة وجوه:

الوجه الأول: قد لا يسلم لكم أن صيام عاشورا كان واجبا، بدليل حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - إذ يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «هذا يوم عاشوراء، ولم يُكتَب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر» (٢)؛ فلو كان واجبا لما خيرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الصيام والفطر (٣).

الوجه الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكتفي بأمر من كان ممسكا أن يتم صومه، بل أمر حتى من كان مفطرا بإمساك بقية يومه، كما مر في الحديث؛ وإمساك بقية اليوم بعد الأكل ليس بصيام شرعي، وإنما سماه صياما تجوزا (٤).

الوجه الثالث: وعلى القول إن صيام عاشوراء كان واجبا فالفرق بينه وبين رمضان: أن وجوب الصيام تجدد في أثناء النهار، فأجزأته النية حين تجدد الوجوب؛ كمن كان صائما


(١) تفسير آيات الأحكام ص ٩٣، وينظر روح المعاني للألوسي ١/ ٤٦٤.
(٢) رواه البخاري ٣/ ٤٤ رقم ٢٠٠٣, كتاب الصيام, باب صيام يوم عاشوراء, ومسلم ٢/ ٧٩٥ رقم ١١٢٩, كتاب الصيام, باب صوم يوم عاشوراء.
(٣) ينظر المغني ٣/ ١١٠.
(٤) ينظر المصدر السابق.

<<  <   >  >>