للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي لفظ: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (١).

وجه الاستدلال: إن الأصل في العبادات التوقيف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تلفظ بالنية, وكذلك لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عَلَّم أحدا من الصحابة التلفظ بالنية, ولو كان التلفظ مشروعا لنُقِل إلينا كما نُقِلت إلينا أدق أعماله، فعُلِم أن التلفظ بها بدعة مُحدَثة (٢).

الدليل الثالث: ولأنها لم تَرِد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من السلف؛ ولو كانت خيرا لسبقونا إليها (٣).

الدليل الرابع: ولأن النية من أعمال القلب، فلم تفتقر إلى غيره من الجوارح، كما أن القراءة لما كانت من أعمال اللسان، لم تفتقر إلى غيره من الجوارح (٤).

الدليل الخامس: ولأن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - لم ينقلوا إلينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تلفظ بالنية، لا سرا ولا جهرا، ولا أَمَر بذلك، فلما لم ينقله أحد عُلِم قَطعا أنه لم يكن. وحينئذ فتَرْك التلفظ بها هو السُنَّة (٥).

الدليل السادس: ولأن المتابعة كما تكون في الفعل تكون في الترك أيضا، فمن واظب على فعل لم يفعله الشارع، كان قد واضب على فعل مُبتَدع (٦).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه لا يشرع التلفظ بالنية في العبادات, ومن ذلك الصوم، بل التلفظ بها بدعة محدثة؛ لأن ذلك لم يثبت، ولو كان التلفظ بالنية مشروعا لبينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأوضحه للأمة بفعله أو قوله، ولسبق إليه السلف الصالح.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث عائشة، وقولهم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تلفظ فيه بالنية، فيجاب عنه:


(١) رواه مسلم ٣/ ١٣٤٣ رقم ١٧١٨، كتاب الأقضية, باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور.
(٢) ينظر: شرح العمدة كتاب الصلاة لابن تيمية ص ٥٩١، واتباع لا ابتداع ص ١٠٧.
(٣) ينظر: القبس في شرح الموطأ ١/ ٢١٤، والمدخل لابن الحاج ٢/ ٢٧٤، وكشاف القناع ١/ ٨٧.
(٤) ينظر: الحاوي الكبير ٢/ ٩٢.
(٥) ينظر: حاشية الروض المربع ١/ ١٩٢.
(٦) ينظر: مرقاة المفاتيح ١/ ٤٢، إعلام الموقعين ٢/ ٣٨٩ - ٣٩١.

<<  <   >  >>