للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتمام تقرير هذا الكلام: أن (الإضمار) (١) في كلام الله جائز في الجملة، وقد دل الدليل على وقوعه هاهنا, أما بيان الجواز فكما في قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} (٢) , والتقدير: فضرب فانفجرت. وكذلك قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} إلى قوله: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} (٣) , أي: فحَلَق فعليه فدية. فثبت أن الإضمار جائز (٤).

الثاني: أن قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لبيان الترخص بالفطر، فينتفي به وجوب الأداء لا جوازه (٥).

وبيانه: أن الله تعالى جعل المرض والسفر، من الأعذار المُرخِصة للإفطار؛ تيسيرا وتخفيفا على أربابها وتوسيعا عليهم، فلو تحتم عليهم الصوم في غير السفر ولم يجز لهم في السفر لكان فيه تعسير وتضييق عليهم، وهذا يضاد موضوع الرخصة وينافي معنى التيسير (٦).

ثانيا: وأما استدلالهم بقول ابن شهاب الزهري: «فكانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره، ويرونه الناسخ المحكم»، فيجاب عنه من أربعة أوجه:

الوجه الأول: أن هذه الزيادة (مدرجة) (٧) من قول الزهري كما جزم بذلك البخاري، وكذلك وقعت عند مسلم مدرجة، فلا حجة فيها (٨).


(١) الإضْمَار هو: الإخفاء, وتستعمله العرب للاختصار. ويفرّق بين الحذف والإضمار فيقال: إنّ المضمر ما له أثر من الكلام، والمحذوف ما لا أثر له. ينظر: لسان العرب ١١/ ٤٦٦، كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ١/ ٢١٩.
(٢) سورة البقرة: آية: ٦٠.
(٣) سورة البقرة: آية: ١٩٦.
(٤) ينظر: مفاتيح الغيب ٥/ ٢٤٥ - ٢٤٦، وبدائع الصنائع ٢/ ٩٥.
(٥) ينظر: المبسوط للسرخسي ٣/ ٩١.
(٦) ينظر: بدائع الصنائع ٢/ ٩٥.
(٧) الإدراج هو: أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي، فيحسبها من يسمعها من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيرويها كذلك. ينظر: الباعث الحثيث اختصار علوم الحديث ص ٧٣.
(٨) ينظر: صحيح البخاري رقم ٤٢٧٦, كتاب المغازي, باب غزوة الفتح في رمضان, وصحيح مسلم رقم ١١١٣, كتاب الصيام, باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر, وفتح الباري ٤/ ١٨١، ونيل الأوطار ٤/ ٢٦٦.

<<  <   >  >>