للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - صام بعد هذه القصة في السفر، كما جاء ذلك في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم» فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: «إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا» وكانت عزمة، فأفطرنا، ثم قال: لقد رأيتنا نصوم، مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك، في السفر (١).

الوجه الثالث: وأما كون الفطر كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فالمراد به واقعة معينة، وهي غزاة الفتح، فإنه صام حتى بلغ الكديد ثم أفطر، فكان فطره آخر أمريه، لا أنه حرم الصوم (٢).

الوجه الرابع: أن راوي الحديث وهو ابن عباس - رضي الله عنه - قد جاء عنه أنه قال: «لا تَعِب على من صام، ولا على من أفطر، قد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر وأفطر» (٣).

وقال أيضا: «إنما أراد الله بالفطر في السفر التيسير عليكم, فمن يسر الله عليه الصيام فليصم، ومن يسر عليه الفطر فليفطر» (٤).

فهذا ابن عباس لم يجعل إفطاره - صلى الله عليه وسلم - في السفر بعد صيامه ناسخا للصوم في السفر، ولكنه جعله على جهة التيسير (٥).

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث: «أولئك العصاة أولئك العصاة» , فيجاب عنه:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال ذلك لأنه قد كان أمرهم بالإفطار في ذاك اليوم بخصوصه، فسماهم عصاة لمخالفة أمره، لا لمجرد الصوم في السفر (٦).


(١) رواه مسلم ٢/ ٧٨٩ رقم ١١٢٠, كتاب الصيام, باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل.
(٢) ينظر: حاشية ابن القيم على سنن أبي داوود ٧/ ٣٥.
(٣) أخرجه البخاري ٣/ ٣٤ رقم ١٩٤٨, كتاب الصوم, باب من أفطر في السفر ليراه الناس, ومسلم ٢/ ٧٨٥ رقم ١١١٣, كتاب الصيام, باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر, واللفظ له.
(٤) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٢/ ٦٦, كتاب الصيام، باب الصيام في السفر، وذكره ابن عبد البر في التمهيد ٢/ ١٧٢.
(٥) ينظر: التوضيح لابن الملقن ١٣/ ٣٣٥.
(٦) ينظر: الروضة الندية لصديق حسن خان ١/ ٢٢٩.

<<  <   >  >>