للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعا: وأما استدلالهم بحديث: «ليس من البر الصوم في السفر»، فيجاب عنه من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن معنى الحديث: ليس البر الصوم في السفر حتى يُغشى على الصائم ويحتاج إلى أن يُظَلَّل ويُنضَح عليه، إذ الله قد رخص للمسافر في الفطر، وجعل له أن يصوم في أيام أخر، وأَعلَم سبحانه في محكم تنزيله أنه أراد بهم اليسر لا العسر في ذلك (١).

الوجه الثاني: ويحتمل ليس من البر الذي هو أبر البر وأعلى مراتب البر الصوم في السفر، وإن كان الصوم في السفر برا إلا أن غيره في البر أبر منه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس، فتَرُدّه اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان» قالوا: فما المسكين؟ يا رسول الله، قال: «الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يُفطَن له، فيُتَصدَّق عليه، ولا يسأل الناس شيئا» (٢).

فلم يكن معنى قوله: «ليس المسكين بالطواف» على معنى إخراجه إياه من أسباب المسكنة كلها، ولكنه أراد بذلك: ليس هو المسكين المتكامل المسكنة الذي لا يسأل الناس، ولا يُعرَف فيُتصدَّق عليه. فكذلك قوله: «ليس البر الصيام في السفر» ليس ذلك على إخراج الصوم في السفر من أن يكون بِرّا، ولكنه على معنى: ليس من البر الذي هو أبر البر الصوم في السفر؛ لأنه قد يكون الإفطار هناك أبر فيه إذا كان على التقوي للقاء العدو وما أشبه ذلك (٣).

الوجه الثالث: قولهم: إن اللفظ عام, والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, فيجاب عنه:

أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - خارج على سبب، وهو أنه رأى رجلا قد جَهَدَه الصوم فقال هذا القول, فهو عموم خرج على سبب (٤).


(١) ينظر: صحيح ابن خزيمة ٢/ ٩٧٠.
(٢) متفق عليه من حديث أبي هريرة: رواه البخاري ٢/ ١٢٥ رقم ١٤٧٩, كتاب الزكاة, باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا} وكم الغنى, ومسلم ٢/ ٧١٩ رقم ١٠٣٩, كتاب الزكاة, باب المسكين الذي لا يجد غنى، ولا يفطن له فيتصدق عليه, واللفظ له.
(٣) ينظر: شرح معاني الآثار ٢/ ٦٣، التمهيد ٤/ ٣٠١، نخب الأفكار ٨/ ٣٣٣.
(٤) ينظر: التنبيه على مبادئ التوجيه ٢/ ٧٢٦.

<<  <   >  >>