للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو كان الفطر عزمة من الله تعالى، لم يتحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - مشقة الصيام في شدة الحر، وإنما أراد أن يسن لأمته ليقتدوا به (١).

الدليل الثالث: عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم» , فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: «إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا» , وكانت عزمة، فأفطرنا، ثم قال: «ولقد رأيتنا نصوم، مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك، في السفر» (٢).

وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالصيام فدل على أنه الأفضل، وإنما أفطر - صلى الله عليه وسلم - ليقتدي به الصحابة, وأمرهم بذلك بقصد التقوي على لقاء العدو (٣).

الدليل الرابع: عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه، حتى نظر الناس إليه، ثم شرب» (٤).

وفي رواية: فقيل له: «إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر» (٥).

وجه الاستدلال: أن النبي بدأ - صلى الله عليه وسلم - بالصوم فلما شكا الناس إليه أفطر, فذلك دليل على أن الصوم هو الأفضل (٦).


(١) ينظر: شرح البخاري لابن بطال ٤/ ٨٧.
(٢) سبق تخريجه صفحة (٢٠٤).
(٣) ينظر: التنبيه على مبادئ التوجيه ٢/ ٧٢٧ - ٧٢٨.
(٤) سبق تخريجه صفحة (٢٠٠).
(٥) رواه مسلم ٢/ ٧٨٦ رقم ١١١٤ في الصيام, باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان.
(٦) ينظر: المبسوط للسرخسي ٣/ ٩٢.

<<  <   >  >>