للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الراجح: الذي يترجح والله أعلم هو القول الثاني: أنه لا يحل الفطر في أقل من مسيرة يومين قاصدين، أو مسيرة يوم وليلة بالسير الحثيث, أو أربعة بُرُد ١٦ فرسخ ٤٨ ميلا هاشميا، والأفضل ترك التحديد بمسيرة الأيام والاكتفاء بمسافة أربعة برد, ما يساوي تقريبا (٨٨) كيلومتر؛ وذلك لأمور:

الأول: لأن التمسك بالتحديد الزمني، دون وضع معيار ثابت بالمقادير المساحية، كالأميال والكيلومترات وغيرها، يقلل الفائدة من العمل بهذه الرخصة وخصوصا بعد أن تطورت وسائل المواصلات في العصر الحديث تطورا يكاد يكون مذهلا، إذ ما كان يقطع في يوم ويومين وثلاث، فيما مضى صار الآن يقطع بالسيارات العادية في أقل من ساعة. فمعنى ذلك أن المسلم لا يتاح له العمل بالرخصة الآن إلا إذا سافر عدة آلاف من الأميال، كما أنه لن يستفيد من الرخصة إذا ما سافر بالطائرات (١).

الثاني: ولأن التمسك بمسافة أربعة برد امتاز بالوضوح فقد حددت فيه المسافة بمقياس مساحي وهو أربعة برد. وأن هذا القياس ارتكز على علامات مادية يمكن الرجوع إليها للتأكد من مقداره وضبطه؛ وهو من مكة إلى عُسْفان، ومن مكة إلى الطائف، ومن مكة إلى جُدَّة.

وقد نقل عن الإمام مالك أنه ترك التحديد بمسيرة الأيام, وتمسك بتحديد المسافة بأربعة برد، فقد سئل عن الرجل يخرج إلى ضَيْعَتِه (٢) على ليلتين أيقصر صلاة؟ قال: نعم، وأَبْيَن من ذلك، البرد والفراسخ والأميال، على كم ضيعته منه من ميل أو فرسخ؟ . فقال: على خمسة عشر فرسخا فذلك خمسة وأربعون ميلا، فقال: نعم أرى أن تقصر الصلاة إلى مسيرة ذلك. الصلاة تقصر في مسيرة أربعة برد، وذلك ثمانية وأربعون ميلا، وهذا منه قريب، فأرى أن يقصر الصلاة إلى مسيرة ذلك (٣).

الثالث: ولأنه الذي صح عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهما -.


(١) ينظر: رخصة الفطر في سفر رمضان مجلة الجامعة الإسلامية العدد: ٥٠ - ٥١, ص: ١٣٢.
(٢) الضَيْعة والضِياع: ما للرجل من نخل وكرم وأرض، وقيل هي حرفة الرجل. ينظر: تهذيب اللغة ٣/ ٤٧، تاج العروس ٢١/ ٤٣٣.
(٣) ينظر: البيان والتحصيل ١/ ٤٢٩.

<<  <   >  >>