للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرابع: ولأن الأخذ بهذا التحديد، فيه الأخذ بالأحوط؛ إذ لم يخرج عنه إلا من قال بتحديد مسيرة ثلاثة أيام. وسيجاب عن دليلهم الذي استدلوا به إن شاء الله.

وأما ما استدل به أصحاب القولين الآخرين فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما الجواب عن ما استدل به الحنفية من تحديد مدة السفر بثلاثة أيام, فيجاب عنه:

أما استدلالهم بحديث المسح على الخُفَّيْن (١) , فيجاب عنه:

أنه إنما سيق لبيان أكثر مدة المسح، لا لتحديد مدة السفر، فلا يصح الاحتجاج به هاهنا (٢).

والدليل أن الصحابي الجليل خزيمة بن ثابت ¢ فهم ذلك من ترخيصه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «وايْم الله لو مضى السائل في مسألته لجعلها خمسا» (٣).

وأما استدلالهم بنهي المرأة عن السفر بلا محرم مدة ثلاثة أيام فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: إن هذا الحديث قد ورد بعدة روايات، فالتمسك بإحداها دون بقيتها فيه تحكم، إلا إذا كان هناك ما يرجح رواية على الأخرى. والذي يترجح هنا رواية يوم وليلة، ورواية يومين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد أقل ما يكون سفرا، وكانت الثمانية والأربعون ميلا هو المقدار الذي يسار في هذه المدة على السير المعتاد (٤).

الوجه الثاني: ولأن عدم وجود تقدير مساحي لتحديد هذه المسافة بالأميال أو الفراسخ أو البرد، جعل التحديد الزمن بمسيرة ثلاثة أيام قليل الفائدة، خاصة في هذا العصر الذي صارت تقطع فيه المسافات الطوال في الساعات المعدودات.

ثانيا: وأما ما استدل به أصحاب القول الثالث من أن السفر جاء مطلقا في الكتاب، فيجاب عنه:


(١) الخُفَّين: تثنية خُفّ, وهو الساتر للكعبين فأكثر من جلد ونحوه من شيء ثخين. التعريفات الفقهية ص ٨٨.
(٢) ينظر: المغني ٢/ ١٩٠.
(٣) رواه أحمد ٣٦/ ١٩٦ رقم ٢١٨٧١، واللفظ له, وقال محققه الأرنؤوط: "حديث صحيح", والبيهقي في السنن الكبرى ١/ ٤١٧ رقم ١٣٢٠, وابن ماجه ١/ ١٨٤ رقم ٥٥٣, كتاب الطهارة وسننها, باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم والمسافر. وقال الألباني في صحيح أبي داود ١/ ٢٧٢: "فهي زيادة صحيحة ثابتة".
(٤) ينظر: البيان والتحصيل ١/ ٤٣٠.

<<  <   >  >>