للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفُهِم من تعليله - صلى الله عليه وسلم - أن الحكم دائر مع تحريك الشهوة، والتعبير بالمعنى المذكور، أي: الشيخ والشاب، جرى على الغالب من أحوال الشيوخ في انكسار شهوتهم وأحوال الشباب في قوتها، فلو انعكس الأمر انعكس الحكم (١).

الدليل الثالث: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّل في شهر الصوم» (٢).

وجه الاستدلال: الحديث نص في جواز التقبيل للصائم، وإنما قُيِّد بمن يملك نفسه لورود الأحاديث التي فرّقت بين من يملك نفسه ومن لا يملك نفسه كما مر، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان آمِنًا على نفسه من المواقعة, وما تدعوا إليه القبلة من الشهوة، وغير ذي الشهوة يأخذ حكمه (٣).

أدلة القول الثاني: القائلين بأن القُبلة مباحة للصائم، لا تكره له مطلقا.

الدليل الأول: عن عائشة - رضي الله عنها -: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُقَبِّلها وهو صائم» (٤).

وعنها أيضا: قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبِّلني وهو صائم وأنا صائمة» (٥).

وجه الاستدلال: الحديث دليل على إباحة القبلة للصائم، ولا فرق بين أن يكون الصائم شابا أو شيخا؛ لأن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - كانت شابة، فقد مات النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها وهي ابنت ١٨ سنة، فالتفريق بين الشاب والشيخ لا وجه له (٦).


(١) ينظر: شرح الزرقاني للموطأ ٢/ ٢٤٥, وطرح التثريب ٤/ ١٣٧, وإرشاد الساري ٣/ ٣٦٨، والمجموع ٦/ ٣٥٥. تنبيه: لا فرق بين مذهب الذين فرقوا بين من حركت القبلة شهوته وبين من لم تحركها, فأجازوها للثاني دون الأول، وبين من فرق بين الشاب والشيخ، فأجازوها للثاني دون الأول، لأن الغالب من شأن الشيخ انكسار شهوته، بخلاف الشاب، فإن الغالب قوتها، فالتعبير جرى على الأغلب من حاليهما، فلو انعكس الأمر، لانعكس الحكم. فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما. ينظر: مرعاة المفاتيح ٦/ ٤٨٤.
(٢) رواه مسلم ٢/ ٧٧٨ رقم ١١٠٦, كتاب الصيام, باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته.
(٣) ينظر: طرح التثريب ٤/ ١٣٨, والمغني: ٣/ ١٢٨.
(٤) رواه مسلم ٢/ ٧٧٨ رقم ١١٠٦, كتاب الصيام, باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته.
(٥) رواه أبو داود ٢/ ٣١١ رقم ٢٣٨٤, في الصوم, باب القبلة للصائم, وأحمد ٤٢/ ٢٨٧ رقم ٢٥٤٥٦, وقال محققه شعيب الأرنؤوط: "إسناده صحيح على شرط البخاري", ووافقه الألباني كما في صحيح أبي داود ٧/ ١٤٦.
(٦) ينظر: المحلى ٤/ ٣٤١، فتح الباري ٤/ ١٥٢، طرح التثريب ٤/ ١٣٨، نيل الأوطار ٤/ ٢٥٠.

<<  <   >  >>