للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن صلاة الوتر أفضل من سنة الفجر، وقد جاء في الحديث: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» (١)، وكم من عبادة أُثني عليها مع فضل غيرها عليها، وهذه المسألة من قاعدة: ازدحام المصالح التي يتعذر الجمع بينها (٢)، فالسواك شُرِع إجلالا لله حال مناجاته في الصلاة؛ لأن تطهير الفم للمناجاة تعظيم لها، والخُلوف مناف لذلك. فقُدِّم السواك لهذا المعنى (٣).

رابعا: وأما قياسهم رائحة الخلوف على رائحة دم الشهيد فيجاب عنه من خمسة أوجه:

الأول: أن الصائم مناج لربه، فنُدِب له تطييب فمه، والشهيد ليس بمناج وهو جيفة أشد من الدم نفسه، فزواله لا يؤثر شيئا بل بقاؤه على الشهيد يوجب مزيد الرحمة له (٤).

الثاني: أن دم الشهيد حجة له على خصمه، وسبيل الخصومة الظهور، وليس للصائم خصم يحتج عليه بالخلوف، إنما هو شاهد له بالصيام، وذلك محفوظ عند الله وملائكته (٥).

الثالث: أنه ورد النهي عن إزالة دم الشهيد (٦)، مع وجوب إزالة الدم، ومع وجوب غسل الميت، فما اغتُفِر ترك هذين الواجبين إلا لتحريم إزالته، فلذلك قيل بتحريمه. ولم يرِد ذلك في السواك، وإنما قيل بالاستنباط (٧).

الرابع: أن دم الشهيد حق له، فلا يُزال إلا بإذنه، وقد انقطع ذلك بموته، وقد كان له غسله في حياته. أما الخُلوف فهو حق للصائم، فلا حرج عليه في ترك حقه، وإزالة ما يشهد له بالفضل (٨).


(١) أخرجه مسلم ١/ ٥٠١ رقم ٧٢٥, كتاب صلاة المسافرين باب استحباب ركعتي سنة الفجر ...
(٢) ينظر قاعدة ازدحام المصالح في الفوائد في اختصار المقاصد لسلطان العلماء ص: ٥١.
(٣) ينظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام لسلطان العلماء ١/ ٣٩، وشرح الزرقاني على الموطأ ٢/ ٣٠٠، ونيل الأوطار ١/ ١٣٩.
(٤) ينظر: شرح الزرقاني على الموطأ ٢/ ٣٠٠.
(٥) ينظر: طرح التثريب ٤/ ١٠١, شرح الزرقاني على الموطأ ٢/ ٣٠٠.
(٦) رواه البخاري كتاب الجنائز باب الصلاة على الشهيد، رقم ١٣٤٣، من حديث جابر بن عبد الله.
(٧) ينظر: طرح التثريب ٤/ ١٠١.
(٨) ينظر: طرح التثريب ٤/ ١٠١, نهاية المحتاج ١/ ١٨٣.

<<  <   >  >>