للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة القول الثاني: القائلين بأن من شك في طلوع الفجر لزمه الإمساك عن الأكل والشرب وجميع المفطرات، فإن لم يمسك وجب عليه القضاء.

الدليل الأول: قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (١).

وجه الاستدلال: أن الآية مخصصة بالعادة التي ركب الله تعالى عليها بني آدم؛ وذلك أن أكثرهم لا يقدرون على إدراك أوائل الفجر؛ لأن ذلك مما يدِقّ ويَرِقّ، ولا يكاد يدركه إلا آحادٌ من الناس، وفي ذلك تَغرير بالصوم. والعبادات تتنزه عن الإغرار والأخطار؛ لأنها في الذِمَّة بتَيَقّن، فلا تبرأ إلا بيقين. ومقارنةُ النية بالفجر محل الخطر، فيُحمَل قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ}، على القرب (٢).

الدليل الثاني: عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم»، وكان رجل أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت (٣).

وجه الاستدلال: أن الحديث مؤول، ومعناه: قاربتَ الصباح (٤).

وتأويل مقاربة الصباح موجودة في الأصول، بدليل قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (٥) , وهذا معناه قارَبن بلوغ أجلهن؛ ولو بلغن أجلهن لم يكن لأزواجهن إمساكهن بالمراجعة لهن وقد انقضت عدتهن (٦).

الدليل الثالث: أنهم متفقون على أن الصائم إذا أكل أو شرب شاكا في غروب الشمس أن عليه القضاء، فوجب أن يتفقوا على أن من أكل أو شرب شاكا في طلوع الفجر أن يجب عليه القضاء؛ بعِلَّة: حصول الأكل والشرب في وقت شك، هو ليل أو نهار (٧).

الدليل الرابع: ولأن الصائم يلزمه اعتراف طرفي النهار، وذلك لا يكون إلا بتقدم شيء وإن قَلَّ من السحر وآخر شيء من الليل (٨).


(١) سورة البقرة: آية: ١٨٧.
(٢) ينظر: مناهج التحصيل ٢/ ١٠٦.
(٣) سبق تخريجه صفحة (٣٣٥).
(٤) ينظر: الاستذكار ١/ ٤٠٥، ومناهج التحصيل ٢/ ١٠٦، وإكمال المعلم ٤/ ٢٨.
(٥) سورة البقرة: آية: ٢٣١.
(٦) ينظر: الاستذكار ١/ ٤٠٦، التمهيد ١٠/ ٦٣.
(٧) ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب ١/ ٤٤١، والمغني ٣/ ١٤٨.
(٨) ينظر: الاستذكار ٣/ ٣٤٥, وشرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٥٣٣، والإقناع للماوردي ص ٧٤.

<<  <   >  >>