للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الخامس: ولأن الأصل بقاء الصوم في ذمته، فلا يسقط بالشك، فيلزمه القضاء (١).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول أنه يجوز للصائم الأكل والشرب وإن شك في طلوع الفجر؛ لقوة أدلتهم، ولصحة دلالتها على المطلوب؛ ولأن الآية واضحة في جواز الأكل والشرب حتى طلوع الفجر، لأن الغاية في قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} داخلة في المغيَّا؛ لأنها محدودة بحرف (حتى). فيكون المعنى جواز اتصال الأكل والشرب بطلوع الفجر (٢).

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بالآية: فقد مضى وجه الاستدلال الصحيح منها في أدلة القول الأول، فلا حاجة لإعادته هنا.

ثانيا: وأما قولهم: في حديث ابن أم مكتوم أن الحديث مؤول ومعناه قاربت الصباح، فيجاب عنه:

أنه قد جاء ما يقطع العذر، ويرفع الاحتمال، ويسد باب التأويل؛ وهو ما أخرجه البخاري في هذا الحديث من الزيادة: «فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» (٣) , وهذا نص في الباب (٤).

ثالثا: وأما قياسهم من أكل شاكا في طلوع الفجر على من أكل شاكا في غروب الشمس، فيجاب عنه: أنه قياس غير صحيح؛ لأن الأصل بقاء النهار، فإذا أكل قبل أن يعلم الغروب، فقد أكل في الوقت الذي يُحكَم بأنه نهار, وإذا أكل قبل أن يتبين الفجر، فقد أكل في الوقت الذي يُحكَم بأنه ليل. ولأن الله سبحانه قال: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}، فمن أكل وهو شاك، فقد أكل قبل أن يتبين له الخيط الأبيض. ولأن الأكل مع الشك في طلوع الفجر جائز, والأكل مع الشك في الغروب غير جائز. وإذا فعل الجائز، لم يفطر (٥).


(١) ينظر: شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب ١/ ١٧٣، عيون المسائل له ص ٢١٥.
(٢) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٥٣٢.
(٣) رواه البخاري ٣/ ٢٩ رقم ١٩١٨, كتاب الصوم, باب قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يمنعنّكم من سحوركم أذان بلال».
(٤) ينظر: مناهج التحصيل ٢/ ١٠٦، وشرح الموطأ للزرقاني ١/ ٢٩١.
(٥) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٤٩٦، والمغني ٣/ ١٤٨، وبدائع الصنائع ٢/ ١٠٦.

<<  <   >  >>