للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث الأعرابي؛ فيجاب عنه من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: إن ما ذكر من المشابهة بين قصة الأعرابي وقصة العسيف لا يستقيم، وبيانه من وجهين:

الأول: أن الرجل في حديث العسيف أخبر بما يوجب الحد، والحدود حق الله, يلزم الإمام استيفاؤها، أما الكفارة فهي معاملة بين العبد وبين ربه لا نظر للإمام فيها.

الثاني: أن الحد في قصة العسيف مختلف: فإن المرأة كانت مُحصَنة، وحَدُّها الرجم، وكان الرجل غير مُحْصَن، وحَدُّه الجلد، فلم يكن بيان أحدهما بيانا للآخر، فلما اختلف البيان احتاج إلى شرحه، بخلاف مسألتنا: فإن الحكم لا يختلف، فكان البيان للرجل بيانا للمرأة (١).

الوجه الثاني: أنه لا يُسلَّم أن هناك حاجة إلى إعلام المرأة؛ فإنها لم تعترف بسبب الكفارة. وإقرار الرجل عليها لا يوجب عليها حُكما. فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قَبِل قول الأعرابي على نفسه بإقراره، ولم يقبل قوله عليها. وقد يمكن أن تكون المرأة مفطرة بعذر، من مرض، أو سفر، أو تكون مكرهة، أو ناسية لصومها، أو نحو ذلك من الأمور. وإذا كان كذلك، فإن الحاجة تمس إلى إعلامها إذا ثبت الوجوب في حقها، ولم يثبت (٢).

الوجه الثالث: لا يُسلَّم قولهم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبين حكم المرأة؛ فإن بيانه في حق الرجل بيان له في حق المرأة؛ لاستوائهما في تحريم الفطر، وانتهاك حرمة الصوم، مع العلم بأن سبب إيجاب الكفارة هو ذاك. والتنصيص على الحكم في بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين. وهذا كما أنه - عليه السلام - لم يذكر إيجاب الكفارة على سائر الناس غير الأعرابي لعلمهم بالاستواء في الحكم (٣).


(١) ينظر: التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي ٢/ ٨٤، شرح عمدة الفقه كتاب الصيام ١/ ٣٣٠، والمبسوط للسرخسي ٣/ ٧٢ - ٧٣.
(٢) ينظر: إحكام الأحكام ٢/ ١٨، التحقيق في أحاديث الخلاف ٢/ ٨٥، معالم السنن ٢/ ١١٨.
(٣) ينظر: إحكام الأحكام ٢/ ١٩.

<<  <   >  >>