للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثالث: وعن علي - رضي الله عنه - أنه أُتِي بالنجاشي (١) سكران من الخمر في رمضان، فتركه حتى صحا، ثم ضربه ثمانين، ثم أمر به إلى السجن، ثم أخرجه من الغد فضربه عشرين، فقال: «ثمانين للخمر، وعشرين لجُرأتك على الله في رمضان» (٢).

وجه الاستدلال: أن عمر - رضي الله عنه - قد جلده, ولم يخبره أن عليه كفارة, وكذلك علي - رضي الله عنه - جلده عشرين لأجل الفطر, ولم يخبره أن عليه كفارة, ولو كان ذلك عليه؛ لبيناه له؛ كما قد أقاما عليه الحد (٣).

الدليل الرابع: ولأن وجوب الكفارة ثبت في المُجامِع معدولا به عن القياس؛ لأن وجوبها على المجامع لرفع الذنب عنه، والتوبة كافية لرفع الذنب في غير الجماع؛ بقاءً على الأصل (٤).

الدليل الخامس: ولأن الكفارة من باب المقادير، والقياس لا يهتدي إلى تعيين المقادير، وإنما عُرف وجوبُها بالنص، والنص ورد في الجماع، والأكل والشرب ليسا في معناه؛ لأن الجماع أشد حرمة منهما، حتى يتعلق به وجوب الحد دونهما. فالنص الوارد في الجماع لا يكون واردا في الأكل والشرب، فيُقتصر على مَوْرِد النص (٥).

الدليل السادس: ولأن كل عبادة مَنعت من الجِماع وغيره، كان حكم الجِماع فيها أعلى، كالحج: لَمّا استوى فيه حكم الجِماع وغيره في إيجاب الكفارة، اختص الجِماع بإفساد الحج دون غيره؛ تغليظا. فكذلك في الصوم: لَمّا ساوى الجِماعُ الأكلَ والشربَ في إفساد الصوم، اقتضى أن يختص الجِماع بالكفارة دون الأكل والشرب؛ تغليظا (٦).


(١) هو: الحارثي الشاعر, قيل اسمه: قيس بن عمرو بن مالك بن حزن بن الحارث. ينظر: تاريخ دمشق ٤٩/ ٤٧٣, الأعلام ٥/ ٢٠٧.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ٥/ ٥٢٤ رقم ٢٨٦٢٤, كتاب الحدود، ما جاء في السكران متى يضرب، وعبد الرزاق في المصنف ٧/ ٣٨٢ رقم ١٣٥٥٦, في الطلاق, باب من شرب الخمر في رمضان, وحسنه الألباني في إرواء الغليل ٨/ ٥٧ رقم ٢٣٩٩.
(٣) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٢٧٩.
(٤) ينظر: المهذب للشيرازي ١/ ٣٣٦ - ٣٣٧، المجموع ٦/ ٣٢٨.
(٥) ينظر: العزيز ٣/ ٢٢٩، والمجموع ٦/ ٣٤١، ومغني المحتاج ٢/ ١٧٨.
(٦) ينظر: الحاوي الكبير ٣/ ٤٣٤ - ٤٣٥.

<<  <   >  >>