للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الأول: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت! قال: «ما لك؟ ». قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هل تجد رقبة تعتقها؟ ». قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ». قال: لا. قال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ ». قال: لا. قال: فمكث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبينا نحن على ذلك أُتِي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعَرَق فيها تمر، قال: «أين السائل؟ ». فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدق به». فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي! فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك» (١).

وجه الاستدلال: أن نص الحديث ظاهر في وجوب الكفارة مرتبة (٢)؛ لأن النبي أمر الأعرابي بالعتق، ثم رتب الصيام بالفاء على فقد العتق, ثم رتب الإطعام على العجز عن الصيام (٣). وعليه فلا وجه لتقديم الطعام على العتق.

الدليل الثاني: وعلى رواية التخيير التي اعتمدها المالكية، فإن الأصل يقتضي متابعة ما تابعه النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان ذلك تخييرا, ولكن تبدئة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعتق وختمه بالطعام لا يخلو من فائدة (٤).

الراجح: الذي يترجح والله أعلم هو القول الثاني: أنه لا يقدم الإطعام على غيره من الخصال في كفارة الجماع في شهر رمضان؛ على ما سيتبين -إن شاء الله- من ترجيح في المسألة التالية: من وجوب ترتيب خصال الكفارة فلا وجه لتقديم الإطعام على العتق والصيام.

وأما استدلال أصحاب القول الأول بحديث عائشة - رضي الله عنها - فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي مر معنى في أدلة القول الثاني زاد فيه: «العتق والصيام»، والأخذ به أولى؛ لأن أبا هريرة - رضي الله عنه - حَفِظَ ذلك ولم تَحفظْه عائشة - رضي الله عنها - (٥).

الوجه الثاني: أن عائشة - رضي الله عنها - حكت ما استقر عليه الحال, وهو أمره بالصدقة؛ فإنه كان عند العجز عن العتق والصيام (٦).


(١) سبق تخريجه صفحة (٣٦٣).
(٢) ينظر: تبيين الحقائق ١/ ٣٢٨.
(٣) ينظر: تحفة الأبرار للبيضاوي ١/ ٤٩٨، شرح المشكاه للطيبي ٥/ ١٥٩٢، وفتح الباري ٤/ ١٦٧.
(٤) ينظر: مناهج التحصيل ٢/ ١٤٨.
(٥) ينظر: عمدة القاري ١١/ ٢٦، ونخب الأفكار ٨/ ٣١٣، والتوضيح لابن الملقن ١٣/ ٢٥٧.
(٦) ينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام ١/ ٢٩٥، عمدة القاري ١١/ ٢٦.

<<  <   >  >>