للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال: بينت هذه الأحاديث أن النهي قد وقع على إفراد يوم الجمعة بالصوم، وتخصيصه بذلك، أما إن وافق عادة له كمن كان يصوم يوما ويفطر يوما، أو من أراد صوم هذا اليوم ويوما قبله أو يوما بعده، فلا حرج في ذلك؛ لما سبق من الأدلة.

قال النووي: "وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم: أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يوافق عادة له، فإن وصله بيوم قبله أو بعده أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدا فوافق يوم الجمعة لم يكره لهذه الأحاديث" (١).

أدلة القول الثالث: القائلين بأنه يحرم إفراد يوم الجمعة بصيام.

استدل أصحاب هذا القول بكل ما استدل به أصحاب القول الثاني إلا أنهم حملوا ذلك كله على نهي التحريم لا نهي الكراهة؛ لأنه الأصل في النهي ولا صارف له إلى الكراهة (٢).

الراجح: الذي يترجح والله أعلم هو القول الثالث: أنه يحرم إفراد يوم الجمعة بصيام، إلا إذا صام يوم معه أو وافق عادة له كصيام يوم وفطر يوم؛ وذلك لصحة أدلة النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام، والأصل في النهي التحريم، ولا صارف له إلى الكراهة (٣).

وأما ما استدل به أصحاب القولين الآخرين فيجاب عنه بما يلي:

أما المجيزون فيجاب عن أدلتهم بالآتي:

أولا: أما استدلالهم بحديث: «من صام يوم الجمعة كتب الله له عشرة أيام ... » الحديث فيجاب عنه: أنه حديث لا يصح.

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - فيجاب عنه:

أن المقصود من الحديث أن يوافق صيامه يوم الجمعة، لا أن يخصص يوم الجمعة بصيام, وتبينه الرواية الأخرى بلفظ: «من وافق صيامه يوم الجمعة وعاد مريضا ... » الحديث (٤).

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس - رضي الله عنهم -، فيجاب عنه:


(١) شرح مسلم ٨/ ١٩، وينظر: نيل الأوطار ٤/ ٢٩٧.
(٢) ينظر: مرعاة المفاتيح ٧/ ٧٥، والمحلى ٤/ ٤٤٠ - ٤٤١.
(٣) ينظر: إرشاد الفحول ١/ ٢٧٩.
(٤) رواه أبو يعلى في المسند ٢/ ٣١٢ رقم ١٠٤٣, وقال الألباني في الصحيحة ٣/ ٢١: "إسناد صحيح".

<<  <   >  >>