للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن مرادهم كان لا يتعمد - صلى الله عليه وسلم - فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها, ولا يضاد ذلك النهي عن إفراده بالصوم؛ جمعا بين الأدلة (١).

رابعا: وأما ما جاء عن الإمام مالك؛ فقد أجيب عنه:

أن ما قاله الإمام مالك هو رأيه، وقد رأى غيره من العلماء خلاف ما رأى هو, والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره, وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة فيتعين القول به. وأجيب أيضا أن الإمام مالك معذور، فلعله لم يبلغه حديث النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام، ولو بلغه لم يخالفه (٢).

وهذا الكلام الذي أجيب به يكون له وجه قوي لو صح أن الإمام مالك كان يرى جواز تخصيص يوم الجمعة بالصيام، والذي ظهر لي -والله أعلم-: أن قول الإمام مالك ¢ يوافق قول الجمهور: أنه يكره تخصيصه بالصيام، لو تؤمل كلامه؛ فقد قال: "لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة, وصيامه حسن".

فإلى الآن ليس في كلامه ما يدل على أنه يرى جواز تخصيص يوم الجمعة بصيام بل ذكر أن صيامه حسن، وإذا علمت أن الإمام مالك قد نص في المدونة على كراهة تخصيص يوم أو شهر بعينه بصيام، وضحت لك الصورة أنه يعني صيامه إذا وافق عادة له أو إذا انضم معه يوم آخر، ويبين ذلك كله قوله: "وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه, وأراه كان يتحراه". فذكر أن بعض أهل العلم كان يتحراه ولم يقل إني أحب ذلك ولا نسبه إلى نفسه, ولو كان يستحب ذلك لصدر به الكلام في أول عبارته، والله أعلم (٣).

خامسا: وأما قولهم: إن الأصل في صوم يوم الجمعة أنه عمل بر لا يمنع منه إلا بدليل لا معارض له، فيجاب عنه:

أنه قد صح المعارض صحة لا مطعن فيها, وهي الأحاديث التي أورِدَت في أدلة المانعين.

سادسا: وأما قولهم: إنه يوم لا يكره صومه مع غيره فلا يكره وحده، فيجاب عنه:

أن هذا: (قياس فاسد الاعتبار) (٤)؛ لأنه منصوب في مقابلة النصوص الصحيحة (٥).


(١) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٣٤، نيل الأوطار ٤/ ٢٩٦، نخب الأفكار ٨/ ٤٣٠، وزاد المعاد ١/ ٤٠٦.
(٢) شرح مسلم للنووي ٨/ ١٩.
(٣) ينظر تقرير ذلك في: شرح الزرقاني للموطأ ٢/ ٣٠١ - ٣٠٢, المنتقى ٢/ ٧٦، وتهذيب المدونة ١/ ٣٦٨.
(٤) القياس مع وجود النص: يسمى قياسا فاسد الاعتبار. ينظر: إرشاد الفحول ٢/ ٩٣.
(٥) ينظر: نيل الأوطار ٤/ ٢٢٩٦.

<<  <   >  >>