للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني: عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صام من صام الأبد» (١).

وجه الاستدلال: أن الحديث واضح الدلالة في كراهة صيام الدهر، وبيانه: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صام»: يحتمل مَعنيَين: إما الدُعاء عليه، فيا بؤس من دعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإما أن يكون بمعنى الإخبار، فيا بؤس من أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يصم. فقد عُلِم أنه لم يُكتب له ثواب الصيام؛ تصديقا بخبره - صلى الله عليه وسلم -، وقد نفى - صلى الله عليه وسلم - الفضل عنه، فكيف يُطلَب ما نفاه النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ (٢).

الدليل الثالث: وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قيل: يا رسول الله كيف بمن صام الدهر؟ قال: «لا صام ولا أفطر، أو لم يصم ولم يفطر» (٣).

وجه الاستدلال: أن معنى الحديث: أن من صام الدهر، لمّا خالف الهدي النبوي الذي رَغَّب فيه - صلى الله عليه وسلم - كان بمنزلة مَن لم يصم صوما مشروعا يؤجَر عليه، ولا أفطر فطرا يَنْتَفِع به (٤).

وفيه دليل واضح على أنه ليس المقصود من صام الدهر مع الأيام المنهي عنها, وبيان ذلك: أنه - صلى الله عليه وسلم - قد قال جوابا لمن سأله عن صوم الدهر: «لا صام ولا أفطر»، أي: مَن فَعَل ذلك لم يؤجَر ولم يَأثم، ومَن صام الأيام المنهي عنها لا يقال في حقه ذلك؛ لأنه عند من أجاز صوم الدهر إلا الأيام المنهي عنها، يكون قد فَعَل مستحبا وحراما. وأيضا فإن الأيام المنهي عنها مستثناة بالشرع، غير قابلة للصوم شرعا، فهي بمنزلة الليل وأيام الحيض، فلم تَدخل في السؤال عند من عَلِم تحريمها، ولا يصلح الجواب بقوله: «لا صام ولا أفطر» لمن لم يعلم بتحريمها (٥).


(١) رواه البخاري ٣/ ٤٠ رقم ١٩٧٧, في الصوم, باب حق الأهل في الصوم, ومسلم ٢/ ٨١٤ رقم ١١٥٩, في الصيام, باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به ...
(٢) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٢٢، عمدة القاري ١١/ ٩٢، نيل الأوطار ٤/ ٣٠٢.
(٣) رواه مسلم ٢/ ٨١٨ رقم ١١٦٢, في الصيام, باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس.
(٤) ينظر: عمدة القاري ١١/ ٩٢، السيل الجرار ص ٢٩٦, وفتح الباري ٤/ ٢٢٢.
(٥) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٢٢, نيل الأوطار ٤/ ٣٠٢.

<<  <   >  >>