للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدليل على ذلك: ما رواه مُطَرِّف (١) عن الإمام مالك أنه كان يصومها في خاصة نفسه (٢).

قال ابن عبد البر: "والذي كرهه له مالك أمر قد بَيَّنه وأوضحه؛ وذلك: خشية أن يضاف إلى فرض رمضان، وأن يَسْتَبين ذلك إلى العامة. وكان مُتَحَفّظا كثير الاحتياط للدين. وأما صيام الستة الأيام من شوال -على طلب الفضل, وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان - رضي الله عنه - , فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله" (٣).

وقال الكمال ابن الهُمام (٤): "وجه الكراهة: أنه قد يفضي إلى اعتقاد لزومها من العوام؛ لكثرة المداومة، ... فأما عند الأمن من ذلك فلا بأس؛ لورود الحديث به" (٥).

ولكن هذا القول قد يفضي إلى ترك سنن كثيرة، بحجة أن العوام قد يعتقدون فرضيتها؛ كصيام عاشورا، وعرفاة، وغيرها.

قال النووي: "وأما قول مالك: "لم أر أحدا يصومها" فليس بحجة في الكراهة؛ لأن السُنَّة ثبتت في ذلك بلا معارض، فكونه لم ير لا يضر، وقولهم: "لأنه قد يخفى ذلك فيُعتقَد وجوبه"، ضعيف؛ لأنه لا يخفى ذلك على أحد، ويلزم على قوله إنه يكره صوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه، وهذا لا يقوله أحد" (٦).


(١) هو: مُطَرِّف بن عبد الله بن مطرف الهلالي, أبو مصعب المدني, ابن أخت مالك بن أنس الإمام، كان أصم, روى عن: مالك, وصحبه سبع عشرة سنة, وروى عنه: أبو زرعة, وأبو حاتم, توفي سنة ٢٢٠ هـ. ينظر: الديباج المذهب ص ٣٤٠، والتاريخ الكبير ٧/ ٣٩٧، جمهرة تراجم المالكية ٣/ ١٢٥٤.
(٢) ينظر: تفسير القرطبي ٢/ ٣٣٢.
(٣) الاستذكار ٣/ ٣٨٠، وينظر: إكمال المعلم ٤/ ١٣٩ - ١٤٠.
(٤) هو: محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد السيواسي ثم الإسكندري، كمال الدين، الشهير بابن الهُمَام, إمام من فقهاء الحنفية، مفسر حافظ متكلم, أقام بالقاهرة, وكان معظمًا عند أرباب الدولة. اشتهر بكتابه القيم: فتح القدير, وهو حاشية على الهداية, وكتاب التحرير في أصول الفقه, توفي سنة ٨٦١ هـ,. ينظر: البدر الطالع ٢/ ٢٠١, الأعلام ٦/ ٢٥٥, الضوء اللامع ٨/ ١٢٧.
(٥) فتح القدير ٢/ ٣٤٩.
(٦) المجموع ٦/ ٣٧٩، وينظر: شرح مسلم ٨/ ٥٦، ونيل الأوطار ٤/ ٢٨٢.

<<  <   >  >>