للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع»، فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا، ولا أنقص، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفلح إن صدق» (١).

وجه الاستدلال: الحديث دل على أن الشروع في التطوع يوجب إتمامه؛ لأن الاستثناء فيه متصل، ويكون المعنى: ليس عليك غير ما ذُكِر، إلا أن تَشرَع في التطوع وتَبتَدئه فيجب عليك إتمامه (٢).

الدليل السادس: ولأنه باشرَ فِعلَ قربةٍ مقصودة، فيجب عليه إتمامها؛ قياسا على الحج إذا شرع فيه متطوعا، فإنه يجب عليه الإتمام اتفاقا (٣).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يجوز الفطر لمن كان قد شرع في صيام النفل؛ وذلك لصحة ما استدلوا به؛ وحديث سلمان مع أبي الدرداء - رضي الله عنهما - صريح في جواز إفطار الصائم المتنفل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صَوَّب قول سلمان ¢ في إفطار الصائم المتطوع، ولم يُنكِره، ولأن الشريعة كلها إما فرض، وإما تطوع، وليس هناك قسم ثالث. فالفرض هو الذي يعصي من تَرَكَه، والتطوع هو الذي لا يعصي من تَرَكه, ولو عصى لكان فرضا. والمُفَرِّط في التطوع تارك ما لا يجب عليه؛ فلا حَرَج عليه في ذلك (٤).

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بالآية فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أن الآية عامةٌ, والأدلة التي ثبت بها جواز الفطر للصائم المتطوع خاصةٌ، كحديث سلمان مع أبي الدرداء - رضي الله عنهما - ونحوه؛ والخاصُ يُقدَّم على العام (٥).

الثاني: أن المراد في الآية بالإبطال هو إبطالُها في الآخرة بالرياء والسمعة، أو بارتكاب الكبائر، وليس الإبطال المُراد عند الفقهاء عند ذِكرهم المسائل الفقهية (٦).


(١) رواه البخاري ١/ ١٨ رقم ٤٦, كتاب الإيمان باب الزكاة من الإسلام, ومسلم ١/ ٤٠ رقم ١١, كتاب الإيمان, باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام.
(٢) ينظر: شرح الزرقاني على الموطأ ١/ ٦٠٥، الذخيرة ٢/ ٥٢٩، فتح الباري ١/ ١٠٧.
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي ٣/ ٦٩، والذخيرة ٢/ ٥٢٨.
(٤) ينظر: المحلى ٤/ ٤١٧.
(٥) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢١٣.
(٦) ينظر: الاستذكار ٣/ ٣٥٨، فتح الباري ٤/ ٢١٣، عمدة القاري ١١/ ٧٧.

<<  <   >  >>