للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث إفطار عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - في صيام النفل، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهما بالقضاء، فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن الثقات قد اتفقوا على إرسال هذا الحديث, وشَذَّ من وصله, وتَوارَد الحُفّاظ على الحكم بضعفه (١)، فلا حجة فيه.

الوجه الثاني: وعلى فرض صحته: يُحمَل أَمرُه - صلى الله عليه وسلم - لهما بالقضاء على الندب؛ وذلك لأمرين:

الأول: لأن بدل الشيء في أكثر أحكام الأصول يَحلّ مَحَلّ أصله، وهو في الأصل -الذي هو في مسألتنا صيام النفل-، مُخيَّر، فيكون كذلك في البدل الذي هو قضاء ذلك اليوم (٢).

الثاني: أن في بعض روايات هذا الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا عليكما, صوما مكانه يوما» (٣). فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا عليكما»، أي: لا بأس عليكما؛ ولو كان الفطر حراما والقضاء واجبا، لكان عليهما بأس (٤).

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه» , فيجاب عنه:

أنه قد جاء في سبب ورود الحديث: «أن امرأة أتت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن زوجي صَفْوان بن المُعَطَّل (٥)، يضربني إذا صليت، ويُفطِّرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ... وفيه: وأما قولها: يُفَطِّرني، فإنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شاب، فلا أصبِر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ: «لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها» ... » (٦).

فلم يأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقضاء تلك الأيام التي أفطرتها، ولم يأمر زوجها بأن لا يُفَطِّرها.


(١) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢١٢، ونيل الأوطار ٤/ ٣٠٦، وتحفة الأحوذي ٣/ ٣٥٩.
(٢) ينظر: معالم السنن ٢/ ١٣٦، وتحفة الأبرار ١/ ٥١٠، وشرح المشكاة للطيبي ٥/ ١٦١٩.
(٣) رواه أبو داود ٢/ ٣٣٠ رقم ٢٤٥٧, في الصوم, باب من رأى عليه القضاء, وقال الألباني في السلسلة الضعيفة ١١/ ٣٣٢ رقم ٥٢٠٢: "ضعيف".
(٤) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ٢/ ٦٢٨, وشرح الزركشي ٢/ ٦٢٠.
(٥) هو: صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ بن رَحَضَةَ السّلمي الذَّكْوانيّ، أبو عمرو صحابي، شهد الخندق والمشاهد كلها, وحضر فتح دمشق، واستشهد بأرمينية، وقيل في سُمَيْساط. وهو الّذي قال أهل الإفك فيه وفي عائشة ما قالوا. ينظر: الاستيعاب ٢/ ٧٢٥, الإصابة ٣/ ٣٥٦, سير أعلام النبلاء ٢/ ٥٤٧.
(٦) رواه أبو داود ٢/ ٣٣٠ رقم ٢٤٥٩, في الصوم, باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها, وابن حبان في صحيحه ٤/ ٣٥٤ رقم ١٤٨٨, ذكر الأمر بالصلاة للنائم إذا استيقظ عند استيقاظه, وقال الألباني في إرواء الغليل ٧/ ٦٥: "صحيح على شرط الشيخين".

<<  <   >  >>