للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال: أن النهي لا ينفي مشروعية الأصل؛ وبيانه: أنه لو كان صوم يوم العيد ممنوعا منه لعينه ما توقف ابن عمر في الفتيا (١).

الدليل الثاني: أن من نذر صيام يوم العيد قد نذر صوما مشروعا في ذاته، وبيانه: أن صيامه ذلك هو كَفّ للنفس -التي هي عدو الله- عن شهواتها، ولا فرق في ذلك بين يوم ويوم، فكان من حيث حقيقته حسنا مشروعا، والنذر بما هو مشروع جائز. وما روي من النهي فإنما هو لغيره، وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى؛ لأن الناس أضياف الله تعالى في هذه الأيام. وإذا كان النهي لغيره لا يمنع صحته من حيث ذاته، فيجب الفطر؛ لئلا يصير معرضا عن ضيافة الكريم. ويجب القضاء باعتبار ذاته، ويجزئه إن صام فيها؛ لأنه أداه كما التزمه؛ فإن ما وجب ناقصا يجوز أن يؤدى ناقصا مع ارتكاب الحرمة الحاصلة من الإعراض (٢).

الدليل الثالث: وقياسا على الصلاة في البيت المَغْصُوب (٣): فكما أن الصلاة في البيت المَغْصوب تَصحّ، فكذا الصيام في يوم العيد يصح، وإن كان محرما (٤).

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: أنه لا يصح نذر صيام العيدين, ولا ينعقد, ويجب فطرهما, ولا يقضي؛ لأنه نذر معصية، والنذر إنما يكون في الطاعة دون المعصية، فلا ينعقد هذا النذر، ولا يصح؛ كما لا يصح من الحائض لو نذرت أن تصوم أيام حيضها. ولم يأمر الله تعالى قط بالوفاء بنذر المعصية، وعليه فلا يشرع قضاؤه (٥).

والذي يقوم بهذا الفعل، أعني: نذر صيام العيد بعينه، هو أحد رجُلين: إما جاهل فيُعلَّم، وإما مستهتر فيُؤدَّب، وعليه مع هذا كفارة يمين كما جاء مُبَيَّنا في حديث عائشة وعمران بن حصين - رضي الله عنهما -، كما مر معنا.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بأثر ابن عمر فيجاب عنه:


(١) ينظر: عمدة القاري ١١/ ١١٠، وفتح الباري ٤/ ٢٤١.
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٣٨١، درر الحكام ٤/ ٢١١، والبحر الرائق ٢/ ٣١٦.
(٣) الغَصْب: من غَصَبَه يَغْصِبه غَصْبا: أخذه ظُلما، وهو غاصب. ينظر: تاج العروس ٣/ ٤٨٤.
(٤) ينظر: حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٦٩٥.
(٥) ينظر: مرعاة المفاتيح ٧/ ٦٨.

<<  <   >  >>