للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه استدلال غير وجيه؛ لأن ابن عمر - رضي الله عنه - لم يُسأل عن صوم يوم العيد بعينه, وإنما سئل عن من وافق نذره يوم العيد من غير قصد منه، وكان استدلالهم قد يكون وجيها لو سئل ابن عمر عن من تعمد صيام يوم العيد بعينه, ثم أجاب بما أجاب، أما والحال ما قد ذُكِرَ فلا وجه للاستدلال بأثر ابن عمر رضي الله عنهم.

والفرق بين الصورتين واضح: فالأول قصد بنذره صيام يوم محرم، فكان نذره غير منعقد. والثاني: قصد بنذره القربى بصوم يوم مباح، فوافق ذلك صيام يوم العيد, فأصل نذره صحيح، فافترقا، وهذه المسألة ستأتي معنا إن شاء الله (١).

ثانيا: وأما قولهم: إن هذا نذر بصوم مشروع، وما روي من النهي فإنما هو لغيره، فيجاب عنه:

أن أصل النذر في يوم العيد غير مشروع أصلا ولا ينعقد, ويبين ذلك ما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يصلح الصيام في يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان» (٢).

"وهذا كالنص على بطلان صوم العيدين، وإن يومي العيد ليسا بمحل للصوم شرعا؛ لأن حقيقة ذلك الخَبَرُ. فهو يُحمَل على حقيقته ما لم يَصرِف عنها صارف. فاقتضى ذلك إخبارا مِن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن هذين اليومين لا يصلح فيهما الصيام، فلو بقي صائما مع إيقاعه الإمساك فيهما، لكان قد صلح الصيام فيهما من وجه. فثبت بذلك ما وقع من الإمساك ولو بنية الصوم من العبد في اليومين المذكورين، فليس بصيام عند الشرع؛ ليكون مخبره خبرا موجودا في سائر ما أخبر به. وهذا كله يُبطل القول بصحة نذر صوم العيد وإجزائه لو صام" (٣).

ثالثا: وأما قياسهم صحة نذر صيام يوم العيد، على صحة الصلاة في البيت المغصوب، فيجاب عنه:

أن هذا قياس مع الفارق وبيانه: أن النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة ليس لذات الصلاة بل للإقامة وطلب الفعل لذات العبادة, بخلاف صوم يوم العيدين فإن النهي فيه لذات الصوم فافترقا (٤).


(١) المسألة ستأتي صفحة (٤٩٦).
(٢) رواه مسلم ٢/ ٧٩٩ رقم ١١٣٨, كتاب الصيام, باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى, من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -.
(٣) مرعاة المفاتيح، ٧/ ٦٨ - ٦٩.
(٤) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٣٩.

<<  <   >  >>