للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثالث: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم» (١).

وجه الاستدلال: أن أهل البيت يتكلفون لهذا الضيف بإعداد الطعام, فإذا أعلمهم بأنه صائم أفسد عليهم ما أعدوه له، ولو كان قطع صيامه جائزا لأرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى فعله؛ منعا للحرج, ولذلك كان ينبغي على الضيف إعلامهم بصيامه حتى لا يخسروا (٢).

الراجح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه يجوز للضيف أن يفطر من صيام النفل من غير إيجاب، وليس عليه قضاء ذلك اليوم؛ وذلك لصحة ما استدلوا به؛ ولدلالته على المطلوب من جواز قطع الضيف صيام نفله لغرض الضيافة, إذ هو غرض صحيح, وهو مخير في قضاء ذلك اليوم كما نص عليه حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -.

وأما ما استدل به أصحاب القولين الآخرين, فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلال أصحاب القول الأول بحديث أبي سعيد الخدري ¢ على لزوم قضاء ذلك اليوم، فيجاب عنه: أنه قد بينت الرواية الأخرى لحديث أبي سعيد ¢ عدم إيجاب القضاء عليه، وأنه مخير في ذلك (٣).

ثانيا: وأما استدلال أصحاب القول الثالث بحديث أم سُلَيم - رضي الله عنها - على عدم جواز إفطار الضيف المتنفل بالصيام, فيجاب عنه:

أن الحديث لا يفيد ذلك, بل يفيد: أن من صام تطوعا لا يجب عليه الإفطار إذا قُرِّب إليه الطعام حال كونه ضيفا. وأما إن أفطر، فيجوز له ذلك؛ لحديث أبي سعيد الخدري وجابر - رضي الله عنهما - السابقين. وإنما لم يفطر النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أم سليم؛ لأنها كانت عنده بمنزلة أهل بيته (٤).

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فيجاب عنه:

أنه قد ورد في حديث جابر - رضي الله عنه - تخييره بين الفطر والإمساك, فكان دليلا على جواز الأمرين.


(١) رواه الترمذي ٣/ ١٤٧ رقم ٧٨٩, في الصيام, باب ما جاء فيمن نزل بقوم فلا يصوم إلا بإذنهم, وقال: "حديث منكر", واللفظ له, وابن ماجه ١/ ٥٦٠ رقم ١٧٦٣, في الصيام, باب فيمن نزل بقوم فلا يصوم إلا بإذنهم, وقال الألباني في السلسلة الضعيفة ٦/ ٢٣٥ رقم ٢٧١٣: "ضعيف جدا".
(٢) ينظر: مواهب الجليل ٢/ ٤٣١.
(٣) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢١٠.
(٤) ينظر: فيض القدير ٦/ ٢٣١.

<<  <   >  >>