للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مخالفا لهذا التعميم، ونظيره الإطلاق في قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (١) (٢).

قال القرطبي: "والدليل على صحة هذا قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ولم يخص متفرقة من متتابعة، وإذا أتى بها متفرقة فقد صام عدة من أيام أخر، فوجب أن يجزيه" (٣).

الدليل الثالث: عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: «كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو برسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (٤).

وجه الاستدلال: أن في تأخير عائشة - رضي الله عنها - قضاء رمضان إلى شعبان دلالة على جواز تأخير قضاءه مطلقا، سواء كان لعذر أو لغير عذر؛ لأن الظاهر اطلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، لا سيما مع توفر دواعي أزواجه إلى سؤاله عن الأحكام الشرعية؛ فلولا أن ذلك كان جائزا لم تواظب عائشة - رضي الله عنها - عليه (٥).

قال ابن عبد البر: "وقد يُستدَل من قول عائشة هذا على جواز تأخير قضاء رمضان؛ لأن الأغلب أن تركها لقضاء ما كان عليها من رمضان لم يكن إلا بعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وإذا كان ذلك كذلك كان فيه بيان لمراد الله عز وجل من قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ لأن الأمر يقتضي الفور حتى تقوم الدلالة على التراخي, كما يقتضي الانقياد إليه ووجوب العمل به حتى تقوم الدلالة على غير ذلك. وفي تأخير عائشة قضاء ما عليها من صيام رمضان دليل على التوسعة والرخصة في تأخير ذلك, وذلك دليل على أن شعبان أقصى الغاية في ذلك" (٦).


(١) سورة البقرة: آية: ١٩٥.
(٢) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٣٤٢, ومفاتيح الغيب للرازي ٥/ ٢٤٨، وبداية المجتهد ٢/ ٦١، وفتح الباري ٤/ ١٨٩.
(٣) تفسير القرطبي ٢/ ٢٨٢.
(٤) رواه البخاري ٣/ ٣٥ رقم ١٩٥٠, في الصوم, باب متى يقضى قضاء رمضان, ومسلم ٢/ ٨٠٢ رقم ١١٤٦, في الصيام, باب قضاء رمضان في شعبان, واللفظ له.
(٥) ينظر: فتح الباري ٤/ ١٩١, ونيل الأوطار ٤/ ٢٧٨.
(٦) التمهيد ٢٣/ ١٤٨ - ١٤٩، وينظر: عمدة القاري ١١/ ٥٦، إرشاد الساري ٣/ ٣٨٩، إكمال المعلم ٤/ ١٠١، القبس ١/ ٥١٩.

<<  <   >  >>