للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: القاضي بصحة الصيام عن الميت فيما وجب في ذمته، من صوم واجب؛ سواء أكان قضاء من رمضان، أو كفارة، أو نذر؛ وذلك لما يلي:

الأول: قوة أدلته، حيث جاءت أدلته نصية صريحة في الدلالة على صحة النيابة عن الميت في الصوم مطلقا، وبألفاظ لا تحتمل غير ذلك؛ نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة - رضي الله عنها -: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه»، وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قوله للرجل الذي سأل عن صوم شهر كان على أمه، وقد ماتت؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «فدين الله أحق أن يقضى».

الثاني: ضعف ما استدل به أصحاب القول الثاني وبيانه كما يلي:

أولا: أما قولهم في حديث ابن عباس: إنه جاء نصا صريحا في قضاء صوم النذر عن الميت، فيجب المصير إليه، ويحمل ما جاء مجملا في الروايات الأخرى على ما جاء مفسرا في هذه الرواية، فيجاب عنه:

أنهما واقعتان لرجل وامرأة، فهما حديثان مختلفان، لا روايتان لحديث واحد حتى يحمل المجمل على المفسر، فتبقى كل منهما على مدلولها، ولا تقيد الأولى بالثانية، بل تبقى على عمومها (١).

ثانيا: وأما قولهم: إن حديث عائشة - رضي الله عنها - مطلق وحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - مقيد، فيحمل عليه، ويكون المراد بالصيام صيام النذر, فيجاب عنه:

أنه ليس بين الحديثين تعارض حتى يجمع بينهما، فحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - صورة مستقلة، سأل عنها من وقعت له وهي صيام النذر عن الميت، وهذا من التنصيص على بعض أفراد العام فلا يصلح لتخصيصه ولا لتقييده كما تقرر في الأصول (٢).

وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - فهو تقرير لقاعدة عامة، وهي قضاء جميع ما وجب عليه من الصيام (٣).

ثالثا: وأما استدلالهم بأثر ابن عباس - رضي الله عنهما -، فيجاب عنه:


(١) ينظر: إحكام الأحكام ٢/ ٢٦، وتيسير العلام ص: ٣٣٤.
(٢) ينظر: رفع النقاب ٤/ ٢٤٤، إرشاد الفحول ١/ ٣٣٦.
(٣) ينظر: فتح الباري ٤/ ١٩٣، إحكام الأحكام ٢/ ٢٦، نيل الأوطار ٤/ ٢٨٠.

<<  <   >  >>