للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال: دلت الآية على أن المُقام في بيت الله، هو العُكوف فيه، من غير شرط, وأن العُكوف عبادة بنفسه؛ كما أنَّ الطواف والركوع والسجود عبادات بنفسها (١).

الدليل الثاني: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أوف نَذرَك» , فاعتكَفَ ليلة (٢).

وجه الاستدلال: في الحديث جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر ¢ بأن يفيَ بنذره وهو اعتكاف ليلةٍ؛ والليل ليس ظرفا للصوم، فدل على أن الصوم ليس شرطا لصحته. ولو كان الصوم شرطا فيه لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر ¢ به (٣).

الدليل الثالث: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خِباء (٤) فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها، فضربت خباء، فلما رأته زينب بنت جَحْش (٥) ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الأخبية فقال: «ما هذا؟ »، فأُخبِر, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «آلْبِرَّ (٦) تُرَوْنَ (٧) بهن؟ »، فترك الاعتكاف ذلك الشهر، ثم اعتكف عشرا من شوال» (٨).


(١) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ٢/ ٧٥٥.
(٢) رواه البخاري ٣/ ٥١ رقم ٢٠٤٢ كتاب الاعتكاف، باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف.
(٣) ينظر: المغني ٣/ ١٨٨, معالم السنن ٤/ ٦٢، التمهيد ١١/ ٢٠٠، بداية المجتهد ٢/ ٧٩, فتح الباري ٤/ ٢٧٤.
(٤) الخِباء: من الأبنية، واحد الأخبية، وهو ما كان من وبر أو صوف، وقد يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت. لسان العرب ١٤/ ٢٢٣ مادة: خبأ.
(٥) هي: زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية, أم المؤمنين, أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - , تزوجت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن طلقها زيد بن حارثة, روى عنها: ابن أخيها محمد بن عبد الرحمن، وأم حبيبة أم المؤمنين، وزينب بنت أبي سلمة، وغيرهم, توفيت سنة ٢٠, وهي أول نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لحوقا به. ينظر: معرفة الصحابة ٦/ ٣٢٢٢, الإصابة ٨/ ١٥٣, سير أعلام النبلاء ٢/ ٢١١.
(٦) آلبر: بهمزة استفهام ممدودة، وبغير مدة، وبالنصب, أي: الطاعة. ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٧٦، شرح الزرقاني على الموطأ ٢/ ٣١٢, تنوير الحوالك ١/ ٢٣٤.
(٧) تُرَوْن: بضم أوله, أي: تظنون. ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٧٦.
(٨) أخرجه البخاري ٤/ ٣٢٣ رقم ٢٠٣٣ كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف النساء.

<<  <   >  >>