للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثالث: عن صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ (١) - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتكِفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدّثتُه ثم قمت لأنقلب، فقام معي لِيَقْلِبَنِي (٢)، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد» (٣).

وفي رواية: «فذهب معها حتى أدخلها بيتها، وهو معتكف» (٤).

وجه الاستدلال: في هذا الحديث دليل على جواز خروج المعتكِف من مسجد اعتكافه لتشييع الزائر؛ فيكون جواز الخروج من مسجد اعتكافه لعيادة المريض وتشيع الجنازة من باب أولى (٥).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه ليس للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض أو لشهود الجنازة, فإن فعل انقطع اعتكافه؛ وذلك لصحة ما استدلوا به، ولأن المعتكِف ليس له الخروج من المسجد إلا للحاجة، وعيادة المريض وشهود الجنازة ليس فعلهما من ما لا بد منه.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني، فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث أنس - رضي الله عنه -، فلا يصح؛ لأنه حديث شديد الضعف.

ثانيا: وأما استدلالهم بأثر علي - رضي الله عنه -، فقد قال فيه ابن المنذر: "وليس بثابت عنه" (٦).

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث صفية بنت حُيَي - رضي الله عنها - فيجاب عنه:

أنه لا دلالة فيه؛ لأن خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أم المؤمنين - رضي الله عنها - ليقلبها هو مما يُحتاج إلى الخروج له, والدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لصفية بنت حيي - رضي الله عنها -: «لا تعجلي حتى أنصرف معك» (٧).


(١) هي: صفية بنت حُيَيِّ بن أَخْطَب, أم المؤمنين، من ذرية رسول الله هارون عليه السلام, كانت في الجاهلية تدين باليهودية، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خيبر، وجعل عتقها صداقها. روى عنها: ابن أخيها, وعلي بن الحسين، ومسلم بن صفوان, وغيرهم. توفيت سنة ٥٠ هـ. ينظر: الطبقات الكبرى ٨/ ١٢٠، الاستيعاب ٤/ ١٨٧١, وسير أعلام النبلاء ٢/ ٢٣١.
(٢) لِيَقْلِبَنِي، أي: لأرجع إلى بيتي فقام معي يصحبني. ينظر: النهاية ٤/ ٩٦، مجمع بحار الأنوار ٤/ ٣٠٩.
(٣) رواه البخاري ٤/ ١٢٤ رقم ٣٢٨١, كتاب بدء الخلق, باب صفة إبليس وجنوده, ومسلم ٤/ ١٧١٢ رقم ٢١٧٥, كتاب السلام, باب بيان أنه يستحب لمن رئي خاليا بامرأة ...
(٤) رواه عبد الرزاق في المصنف ٤/ ٣٦٠ رقم ٨٠٦٦, في الاعتكاف باب خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - في اعتكافه.
(٥) ينظر: المحلى ٣/ ٤٢٥، نيل الأوطار ٤/ ٣١٥.
(٦) الإشراف ٣/ ١٦٢.
(٧) رواه البخاري ٧/ ٥٧ رقم ٢٠٣٨، في الاعتكاف, باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه.

<<  <   >  >>