للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الرابع: ولأن حديث عمر - رضي الله عنه - والذي فيه قوله: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ قال: «أوف بنذرك» (١)، لا يدل على وجوب وفاء نذر الكافر إذا أسلم؛ وذلك من وجهين:

الأول: في قول عمر - رضي الله عنه -: «نذرت في الجاهلية» أن مراده أيام الجاهلية بعد الإسلام؛ لأنه لم يقُل: وأنا كافر، أو وأنا على دين الجاهلية (٢).

قال القسطلاني: "المراد أنه نذر بعد إسلامه في زمن لا يَقْدِر أن يفي بنذره فيه؛ لمَنع الجاهلية للمسلمين من دخول مكة، ومِن الوصول إلى الحرم" (٣).

الثاني: أن قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه -: «أوف بنذرك» محمول على الاستحباب لا على الوجوب؛ بدلالة أن الإسلام يهدم ما قبله (٤).

الدليل الخامس: ولأنه لَمّا كان النذر مما يتقرب به إلى الله، وكون المنذور به قربة شرط صحةِ النَذر، لم يُقبَل من الكافر؛ لأن الكافر ليس من أهل القرب، ولا يوصف فِعلُه بكونه قربة (٥).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يجب عليه الوفاء بما نذره حال كفره.

الدليل الأول: عن عمر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ قال: «أوف بنذرك» (٦).

وجه الاستدلال: دَلّ الحديث على أن نذر الكافر صحيح، فإذا أسلم لزمه الوفاء به (٧)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر عمر - رضي الله عنه - بالوفاء بنذره إلا لتعلق ذِمّته به (٨).


(١) سبق تخريجه صفحة (٦٢٩).
(٢) ينظر: الذخيرة ٤/ ٧٠، والعزيز شرح الوجيز ١٢/ ٣٥٦، المعلم ٢/ ٣٦٩.
(٣) إرشاد الساري ٣/ ٤٤١.
(٤) ينظر: شرح البخاري لابن بطال ٤/ ١٦٨، التوضيح لابن الملقن ٣٠/ ٢٢٢.
(٥) ينظر: إحكام الأحكام ٢/ ٤٣، العزيز في شرح الوجيز ١٢/ ٣٥٦، إرشاد الساري ٣/ ٤٤١، بدائع الصنائع ٥/ ٨٢.
(٦) سبق تخريجه صفحة (٦٢٩).
(٧) ينظر: سبل السلام ٢/ ٥٦٤، نيل الأوطار ٨/ ٢٨٦، عمدة القاري ٢٣/ ٢٠٩.
(٨) ينظر: معالم السنن ٤/ ٦١.

<<  <   >  >>