للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية, فقال: «ما هذا»؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «آلبر أردن بهذا؟ ! ما أنا بمعتكف». فرجع، فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال (١).

وجه الاستدلال: في الحديث جواز الخروج من نفل الاعتكاف، وأنه لا يجب قضاؤه إن تَرَكه، وأما قضاؤه - صلى الله عليه وسلم - فعلى طريق الاستحباب.

قال ابن قدامة: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك اعتكافه، ولو كان واجبا لما تركه، وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب أبنيتهن له، ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب، ولا أُمِرْن بالقضاء. وقضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له لم يكن واجبا عليه، وإنما فعله تطوعا؛ لأنه كان إذا عمل عملا أثبته، وكان فعله لقضائه كفعله لأدائه، على سبيل التطوع به، لا على سبيل الإيجاب، كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر. فتَرْكُه له دليل على عدم الوجوب؛ لتحريم ترك الواجب، وفعله للقضاء لا يدل على الوجوب؛ لأن قضاء السنن مشروع" (٢).

الدليل الثاني: ولأن الاعتكاف غير مقدر بالشرع، فأشبه الصدقة، وقد انعقد الإجماع على أن الإنسان لو نوى الصدقة بمال مقدر، وشرع في الصدقة به، فأخرج بعضه، لم تلزمه الصدقة بباقيه، فكذا الاعتكاف (٣).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه يستحب قضاء الاعتكاف المندوب لمن شرع فيه ثم قطعه ولا يجب؛ لصحة أدلة هذا القول، ولأن زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُنقَل عنهن أنهن قَضَيْن اعتكافهن, ولا أَمَرَهن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء، ولو كان القضاء واجبا لأمرهن - صلى الله عليه وسلم - به (٤)، ولأن القول بوجوب قضاء النفل مبني على القول بوجوب إتمام النفل بعد الشروع فيه، والراجح خلافه (٥)، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليخرج من اعتكافه بعد أن شرع فيه لو كان واجبا بالشروع.


(١) سبق تخريجه صفحة (٦٥٧ - ٦٥٨).
(٢) المغني ٣/ ١٨٧.
(٣) ينظر: المغني ٣/ ١٨٧، والشرح الكبير ٣/ ١١٩ - ١٢٠.
(٤) ينظر: إرشاد الساري ٣/ ٤٤٢.
(٥) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٧٧.

<<  <   >  >>