للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونقله، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فعُلم أن الجلوس في غير المسجد ليس باعتكاف (١).

الدليل الثالث: عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: «ما هذا»؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «آلبر أردن بهذا؟ ! ما أنا بمعتكف». فرجع، فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال (٢).

وجه الاستدلال: أنه لو كان اعتكافهن - رضي الله عنهن - في غير المسجد العام ممكنا؛ لاستغنين بذلك عن ضرب الأخبية في المسجد, كما استغنين بالصلاة في بيوتهن عن الجماعة في المسجد، ولأمرهن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك.

قال ابن حجر: "وفيه أن المسجد شرط للاعتكاف؛ لأن النساء شرع لهن الاحتجاب في البيوت, فلو لم يكن المسجد شرطا ما وقع ما ذُكِر من الإذن والمنع, ولاكتُفِي لهن بالاعتكاف في مساجد بيوتهن" (٣).

الدليل الرابع: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سئل عن امرأة جعلت عليها (أي نذرت) أن تعتكف في مسجد بيتها، فقال: «بدعة، وأبغض الأعمال إلى الله البدع» (٤).

وجه الاستدلال: أن الصحابي إذا قال عن فعل ما أنه بدعة؛ عُلِم أنه غير مشروع؛ كما أنه إذا قال: إنه سُنَّة؛ عُلِم أنه مشروع (٥).

أدلة القول الثاني: يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو الأفضل, ويكره في المساجد.


(١) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ٢/ ٧٤٣.
(٢) سبق تخريجه صفحة (٦٥٧).
(٣) فتح الباري ٤/ ٢٧٧، وينظر: المغني ٣/ ١٩١، شرح مسلم للنووي ٨/ ٦٨.
(٤) أخرجه حرب الكرماني ذكره عنه ابن تيمية في كتاب الصيام شرح عمدة الفقه ٢/ ٧٤٤, وابن رجب في فتح الباري ٣/ ١٧٠, وغيرهما. قال صاحب الفروع ٥/ ١٤١: "بسند جيد". وهو عند البيهقي السنن الكبرى ٤/ ٥١٩ رقم ٨٥٧٣, في باب الاعتكاف في المسجد, بلفظ: ((إن أبغض الأمور إلى الله البدع، وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور)).
(٥) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ٢/ ٧٤٤.

<<  <   >  >>