للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الأول: عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: «ما هذا»؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «آلبر أردن بهذا؟ ! ما أنا بمعتكف». فرجع، فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال (١).

وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ترك الاعتكاف إنكارا على زوجاته اعتكافهن في المسجد؛ ويدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «آلبر أردن» , أي: ليس اعتكافهن في المساجد ببر (٢).

قال الجصاص: "وهذا الخبر يدل على كراهية الاعتكاف للنساء في المسجد؛ بقوله: «آلبر تردن» , يعني: أن هذا ليس من البر. ويدل على كراهية ذلك منهن أنه لم يعتكف في ذلك الشهر, ونَقَضَ بناءه حتى نَقَضْن أبنيتهن, ولو ساغ لهن الاعتكاف عنده لَما ترك الاعتكاف بعد العزيمة, ولما جَوَّز لهن تركَه وهو قُربة إلى الله تعالى. وفي هذا دلالة على أنه قد كِرِه اعتكاف النساء في المساجد" (٣).

الدليل الثاني: عن عبد الله بن مسعود ¢، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حُجرتها، وصلاتها في مَخْدَعِهَا (٤) أفضل من صلاتها في بيتها» (٥).

وجه الاستدلال: فإذا مُنعَت المرأة من المكتوبة في المسجد مع وجوبها، فلأن تكون ممنوعة من اعتكاف هو نفل أولى، ولَمّا كانت صلاة الرجل في المسجد أفضل، كان اعتكافه فيه أفضل (٦).


(١) سبق تخريجه صفحة (٦٥٧).
(٢) ينظر: عمدة القاري ١١/ ١٤٨، فتح الباري ٤/ ٢٧٧.
(٣) أحكام القرآن ١/ ٣٠٣.
(٤) المِخْدع: بيت صغير يُحرز فيه الشيء، مأخوذ من أَخدَعت الشيء إذا أخفيته. ينظر: المصباح المنير ٣/ ٢٨, النهاية ٢/ ٣٥.
(٥) رواه أبو داود ١/ ١٥٦ رقم ٥٧٠, كتاب الصلاة, باب التشديد في ذلك, والبيهقي في السنن الكبرى ٣/ ١٨٨ رقم ٥٣٦١, أبواب إثبات إمامة المرأة وغيرها, باب خير مساجد النساء قعر بيوتهن, وقال الألباني في صحيح أبي داود ٣/ ١٠٨: "إسناده صحيح على شرط مسلم".
(٦) ينظر: التوضيح لابن الملقن ١٣/ ٦٤١، الاختيار في تعليل المختار ١/ ١٣٧.

<<  <   >  >>