للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الكاساني: "هذه قُربة خُصت بالمسجد, لكن مسجد بيتها له حكم المسجد في حقها في حق الاعتكاف؛ لأن له حكم المسجد في حقها في حق الصلاة؛ لحاجتها إلى إحراز فضيلة الجماعة, فأُعطي له حكم مسجد الجماعة في حقها ... وإذا كان له حكم المسجد في حقها في حق الصلاة، فكذلك في حق الاعتكاف؛ لأن كل واحد منهما في اختصاصه بالمسجد سواء" (١).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أن المرأة لا يصِحُّ أن تعتكِف في مسجد بيتها, واعتكافها لا يصح إلا في المسجد كالرجل؛ لصحة ما استدلوا به، ولأن مساجد البيوت لا يثبت لها شيء من أحكام المساجد العامّة، فلا يجب صيانتها عن نجاسة ولا جنابة ولا حيض. ولأن الاعتكاف في البيوت لو كان مشروعا لَنُقِل عن أمهات المؤمين وغيرهن من الصحابيات - رضي الله عنهن - , ولَفَعَلْنَه لبيان الجواز، فلما لم يُنقَل عنهن فِعلُه، مع ما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنه - كونه بدعة عُلِم أن فعله غير مشروع.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث الأخبية على أن اعتكاف المرأة غير مشروع في المسجد، فيجاب عنه:

أن وجه الاستدلال الذي ذكروه ليس واضحا (٢)؛ وذلك: لأنه - صلى الله عليه وسلم - أذن لعائشة وحفصة - رضي الله عنهما - فيه، فلو لم يكن بِرّا لَما أَذِن لهما. وإنما جاء عدم كونه بِرّا؛ من كون زوجاته - صلى الله عليه وسلم - تَنافَسْن فيه (٣).

ثانيا: وأما استدلالهم بأن صلاة المرأة في مسجد بيتها أفضل, فيكون اعتكافها في مسجد بيتها أفضل، وأن مسجد بيتها له حكم المسجد في حقها في حق الاعتكاف؛ لأن له حكم المسجد في حقها في حق الصلاة، فيجاب عنه من وجهين:

الأول: لا يسلم كون صلاة المرأة في بيتها أفضل دليلا على أن اعتكافها في بيتها أفضل, وإلا لجاز القول إن اعتكاف النفل في حق الرجل أفضل؛ لأن صلاة النفل في حقه أفضل (٤)،


(١) بدائع الصنائع ٢/ ١١٣، وينظر: أحكام القرآن للجصاص ١/ ٣٠٣.
(٢) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٧٧.
(٣) ينظر: المغني ٣/ ١٩١، وذخيرة العقبة ٨/ ٦٩١.
(٤) ينظر: المغني ٣/ ١٩١.

<<  <   >  >>