للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَحِيمٌ) (١). ونهانا النبي فقال: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه) (٢). كل هذا وغيره فيه ما يغني عن التفصيل في عدل الصحابة.

القرآن كلام الله وبيان مفاسد القول بخلق القرآن:

من المعتقد الصحيح الذي يؤمن به أهل السنة هو الايمان بأن القرآن الكريم هو كلام الله، وصفة من صفاته. فهو غير حادث وغير مخلوق، بل هو أذلي بأزلية الله، لأنه صفة من صفاته وأنه تكلم به حقيقة (حروفه ومعانيه)، ومنه بدأ وإليه يعود. ونتعبد الله بتلاوته، وهو منقول إلينا بالتواتر. قال تعالى: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) (٣)، وقال أيضاً: (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ) (٤). وقد جاء الخوارج ببدعة إعتقادهم أن القرآن مخلوق، وكانت أدلتهم هي آيات نزول القرآن، ومنها قوله تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ) (٥)، وقوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (٦)، وغيرها. وحدثت فتنة عظيمة في زمن المأمون والمعتصم، سُفكت بسببها دماء كثيرة، وازدحمت السجون برأي المخالفين. وعُذِب لأجلها أمام السنة الجليل الإمام أحمد بن حنبل، ولولا ثبوته على موقفه لأُثيِّرت فتنة اضاعت المسلمين وخربت أسس عقائدهم في الأسماء والصفات. وأما موقف أهل السنة فإنهم يمتنعون عن وصف القرآن بأنه مخلوق، بل هو عندهم كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود. قال ابن تيمية : "وكما لم يقل أحد من السلف إنه مخلوق فلم يقل أحد منهم إنه قديم، لم يقل واحداً من القولين أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا من بعدهم من الأئمة ولا غيرهم، بل الآثار متواترة عنهم بأنهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله" (٧). فبين شيخ الإسلام أن من قال بأن القرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال بأنه غير مخلوق فهو مبتدع، وأما أهل السنة فيؤمنون بأن القرآن كلام الله صوت ولفظاً وحرفاً. ومن مفاسد القول بخلق القرآن أنه مخالف "للكتاب


(١) سورة الحشر، آية ١٠.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة ، جزء ٤، صفحة ١٩٦٧، حديث رقم ٢٥٤٠.
(٣) سورة النساء، آية ١٦٤.
(٤) سورة الفتح، آية ١٥.
(٥) سورة الشعراء، آية ١٩٣.
(٦) سورة الدخان، آية ٣.
(٧) ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: ٧٢٨ هـ)، مجموعة الرسائل والمسائل، علق عليه السيد محمد رشيد رضا، طبعة لجنة التراث العربي، جزء ٣، صفحة ٢٠.

<<  <   >  >>