وكان يَرْعَاهُمَا ويحسن إليهما، وقرأوا عليه شيئًا من الحديث والفقه، وحكى الشيخ الموفق أنهما أقاما عنده نحوًا من أربعين يومًا ثم مات، وأنهما كانا يقرآن عليه كل يوم درسين من الفقه، فيقرأ هو من الخرقي من حفظه، والحافظ من كتاب الهداية.
قال الضياء: وبعد ذلك اشتغلا بالفقه والخلاف على ابن المنى وصارا يتكلمان في المسألة ويناظران، وسمعا من أبي الفتح ابن
البطي وأحمد بن المقرئ الكرخي وأبي بكر ابن النقور وهبة الله بن الحسن بن هلال الدقاق وأبي زرعة وغيرهم، ثم عادا إلى دمشق.
ثم رحل الحافظ سنة ست وستين إلى مصر والإسكندرية وأقام هناك مدة سمع فيها من السِّلفي، ثم عاد إلى دمشق، ثم رحل أيضًا إلى الإسكندرية سنة سبعين وأقام بها ثلاث سنين وسمع بها من الحافظ السلفي، وأكثر عنه حتى قيل: لعله كتب عنه ألف جزء، وسمع من غيره أيضًا، وسمع بمصر من أبي محمد بن بري النحوي وجماعة، ثم عاد إلى دمشق، ثم سافر بعد السبعين إلى أصبهان وكان قد خرج إليها وليس معه إلَّا قليل فلوس، فسهل الله له مَنْ حَمَلَهُ وأنفق عليه حتى دخل أصبهان وأقام بها مدة وسمع بها الكثير، وحصّل الكتب الجيدة ثم رجع.
وسمع بهمذان من عبد الرزاق بن إسماعيل القرماني، والحافظ أبي العلاء، وغيرهما، وبأصبهان من الحافظين: أبي موسى
المديني وأبي سعد الصائغ وطبقتهما، وسمع بالموصل من خطيبها أبي الفضل الطوسي، وكتب بخطه المتقن ما لا يوصف كثرةً، وعاد إلى دمشق.