الاثنين الرابع والعشرين من شهر ذي القعدة سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وتكلموا معه في مسألة العلو والنزول ومسألة الحرف والصوت، وطال الكلام وظهر عليهم بالحجة، فقال له برغش نائب القلعة: كل هؤلاء علي الضلالة وأنت على الحق؟ قال: نعم. فغضب برغش من ذلك وأَمَرَهُ بالخروج من البلد، فارتحل بعد ثلاث إلى بعلبك، ثم إلى القاهرة فنزل عند الطحانين، وصار يقرأ الحديث، فثار عليه الفقهاء أيضًا، فكتبوا إلى الصفي بن شكر وزير العادل أنه قد أفسد عقيدة الناس، ويذكر التجسيم على رؤوس الأشهاد، فكتب إلى والي مصر بنفيه إلى المغرب، فمات قبل وصول الكتاب إليه.
[عقيدته]
إن عقيدة المقدسي رحمه الله هي عقيدة السلف الصالح، وذلك بوصف الله سبحانه بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - دون تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل، امتثالًا لقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)}. ونجملها فيما حكاه الحافظ الضياء قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: إن الحافظ أُمِرَ أن يكتب اعتقاده فكتب: أقول كذا لِقَوْل الله كذا، وأقول كذا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى فرغ من المسائل التي يخالفون فيها، فلما وقف عليها الملك الكامل قال: إيش في هذا؟ يقول بقول الله عز وجل وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هذا ورب الكعبة هو الحق المبين فالله أعلم بنفسه مِنْ خلْقِهِ ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أعرف بربه من الفقهاء، قال: فخلّى عنه.