للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الرحمن، إذ الكرامة أَمر يجريه الله على يد عبده المؤمن المتقي، إما بدعاء أو أعمال صالحة لا صنع للولي فيها. ولا قدرة له عليها بخلاف من يدعي أنه ولي الله ويقول للناس إعلموا إني أعلم المغيبات فإن مثل هذه الأمور قد تحصل بما ذكرنا من الأسباب وإن كانت أسباباً محرمة كاذبة في الغالب، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في وصف الكهان: "فيكذبون معها مائة كذبة". فبين أنهم يصدقون مرة ويكذبون مائة. وهكذا حال من سلك سبيل الكهان ممن يدعي الولاية والعلم بما في ضمائر الناس مع أن نفس دعواه دليل على كذبه لأن في دعواه الولاية تزكية النفس المنهي عنها بقوله: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [سورة النجم: آية ٣٢]. وليس هذا من شأن الأولياء بل شأنهم الإِزراء على نفوسهم وعيبهم لها وخوفهم من ربهم فكيف يأتون الناس يقولون: اعرفوا أنّا أولياء وأنّا نعلم الغيب. وفي ضمن ذلك طلب المنزلة في قلوب الخلق، واقتناص الدنيا بهذه الأمور وحسبك بحال الصحابة والتابعين وهم سادات الأولياء أفكان عندهم من هذه الدعاوى والشطحات شيء؟ لا والله. بل كان أحدهم لا يملك نفسه من البكاء إذا قرأ القرآن كالصديق. وكان عمر يسمع نشيجه من وراء الصفوت يبكي في صلاته، وكان يمر بالآية في ورده بالليل فيمرض منها ليالي يعودونه الناس، وكان تميم الداري يتقلب في فراشه لا يستطيع النوم إلَاّ قليلاً خوفاً من النار، ثم يقوم إلى صلاته ويكفيك في صفات الأولياء ما ذكر الله تعالى من صفاتهم في سورة الرعد، والمؤمنين، والفرقان، والذاريات، والطور، فالمتصفون بتلك الصفات هم الأولياء الأصفياء لا أهل الدعوى والكذب، ومنازعة رب العالمين فيما اختص من الكبرياء والعظمة، وعلم الغيب بل مجرد دعواه علم الغيب كفر, فكيف يكون المدعي لذلك ولياً لله؟ ولقد عظم الضرر واشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورثوا هذه العلوم عن المشركين ولبسوا بها على خفافيش البصائر. =

<<  <  ج: ص:  >  >>