راعية هذه المناهج التي هجرت كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - في الاعتقاد وبالأخص ما يخالف عقيدة السلف الصالح، وذلك بالتمسك بما كان قد اعتقده أبو الحسن الأشعري قبل انتقاله إلى مذهب أهل السنة والجماعة فقد صاروا على نهجه ونبذوا خلافه وقهروا الناس وامتحنوهم حتى أصبحت لهذا المذهب المكانة في قلوب الناس عامهم وخاصهم، وصار هو الذي يدرس في المساجد ويخطب به على المنابر ويلقن الصغار في بيوتهم ومدارسهم، ويصف المقريزي ذلك في كتابه "الخطط"(٣/ ٣٠٦) بقوله: "حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه، إلَّا أن يكون مذهب الحنابلة، أتباع الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فإنهم كانوا على ما كان عليه السلف، لا يرون تأويل ما ورد عن السلف" إلخ، وسيمر بك أيها القارئ نماذج من تأويلاته وقد علقت عليه بما قاله علماء السلف.
وقد زاد في هذا العصر ما أوحته الشياطين إلى أوليائهم فزينوا لهم التعلق بالقبور وطلب المدد والغوث من أصحابها مما صار سببًا كبيرًا في ضعف العقيدة، وأيضًا ما حصل لهم من التبرك بما يسمونهم أولياء أو صالحين في اعتقادهم كالتبرك بثيابهم أو آثارهم أو ريقهم ونحو ذلك، وسيمر بك شيء من هذا في هذا الكتاب.
أما صوفيته فيكفي فيه أنه له مؤلف سماه "طبقات الأولياء" ساق فيه العجب العجاب من الاطلاع على المغيبات وإحياء الموتى، وإظهار ما غيب في النفوس. فكل هذا أثر من آثار دولة المماليك التي اهتمت بهذا حتى أنشئت لهم الزوايا تقديسًا لهذه الطائفة، حمانا الله وجميع المسلمين من فتنة القول والعمل.