للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال القرطبي (١): وأولى العلل فيه ما صرح به منادي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - حيث قال: "إن الله ورسوله يَنْهَيَانِكُم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان". والرّجس: النجس. فلحومها نجسة، لأنها هي التي عاد عليها ضمير (إنها النجس) وهي التي أمر بإراقتها من القدور، وغسلها منها، وهذا حكم النجاسة. وأما التعليل بكونها "من جَوَالي القرية" فرواه أبو داود (٢)، وهو حديث لا يصح. وأما ما عدا ذلك من العلل فمتوهَّمة مُقَدَّرة، لا يشهدُ لها دليل. ثم يقول: ولا بعْد في تعليل تحريمها بعلل مختلفة، كل واحدة منها مستقلة بإفادة التحريم. وهو الصحيح من أحد القولين للأصوليين، وأما تعليل من عللها بغير التخميس فغير صحيح لأنه: يجوز أكل الطعام


(١) المفهم (٥/ ٢٢٤).
(٢) سنن أبي داود (٣٨٠٩)، وقال البيهقي في سننه (٩/ ٣٣٢): فهذا حديث مختلف في إسناده. اهـ.
وفي معرفة السنن والآثار (١٤/ ١٠٤) قال: إسناده مضطرب. اهـ.
وقال أيضًا: فكانه إن صح إنما رخص له في أكله بالضرورة حيث تباح الميتة، والله أعلم. اهـ.
وقال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (١٦/ ٣٠٤) على حديث جابر رضي الله عنه "نهى رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأذن في لحوم الخيل". في هذا الحديث أوضح الدليل على أن النهي عن أكل الحمر الأهلية عبادة، وشريعة، لا لعلة الحاجة إليها، لأنه معلوم أن الحاجة إلى الخيل في العرف أوكد، وأشد، وأن الخيل أرفع حالًا، وأكثر جمالًا، فكيف يؤذن للضرورة في أكلها، وينهى عن الحمر؟ هذا من المحال الذي لا يستقيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>