للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثاني: لا شك أن ادعاء علم الغيب أو تصديق أحد ممن يدعي علم الغيب كفر أكبر، ولكن تصديق الكاهن فيه شبهة؛ لأنه يخبر بالأمور المغيبة فيما صدق فيه عن طريق استراق الجن للسمع، يأتي الآتي إلى الكاهن ويقول: أنا أصدقه فيما أخبر من الغيب؛ لأنه قد جاءه علم ذلك الغيب (١).

الوجه الثالث: أنه جاء في نص الحديث: «أو أتى حائضًا في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد»، وإتيان الحائض ليس بكفر مخرج عن الملة بالاتفاق؛ فثبت أن الكفر هنا كفر أصغر.

القول الرابع: قيل: هذا على التشديد والتأكيد، أي: قارب الكفر والمراد كفر النعمة، قال الترمذي: «وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ» (٢)، وهذا القول قال عنه صاحب التيسير: باطل (٣).

القول الخامس: وهو الأقرب: القول بالتفصيل كما يلي:

إن صدق الكاهن بدعوى أنه يعلم الغيب الذي تفرد الله بعلمه، فهذا تكذيب بالقرآن؛ لأن الله يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: ٦٥]، ففي هذه الحال يكون كفرًا أكبر.

أما إذا أتاه ولم يصدقه في دعوى علم الغيب والمستقبل، أو صدقه بما خفي عليه وليس هو من علم الغيب كأن يصدقه بما يخبر به من الوقائع التي وقعت مما خفي علمها على السائل، فهذا محرم لكن لا يلزم منه الكفر الأكبر، بل هو كفر دون كفر، والله أعلم.


(١) ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (٣٢٢).
(٢) سنن الترمذي (١/ ١٩٩).
(٣) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (٣٥٠).

<<  <   >  >>