للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بـ "القُدوم" عَن التّوَجّه؛ لأنّ أمره لأصحَابه بأنْ يجعلوها عُمْرَة كَان قبل دُخُول مَكّة، أو يكون مِن باب التسمية بما يَؤول إليه حَالهم تَفَاؤلًا. ويحتمل أنْ يكُون أمْره -صلى اللَّه عليه وسلم- بذَلك كَان لبَعْض أصْحَابه بعْدَ قُدومِهم مَكّة، وكَان أمره لغَيرهم قبْل دُخُوله.

وكذلك قوله: "ونَحْن نقُول: لبّيك بالحَجّ" لم يكُن ذلك فيهم كُلّهم؛ لأنّه وَرَدَ في حديثٍ غير هذا: "فمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، ومِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالعُمْرَةٍ" (١)، وسيأتي في الحديث الذي بعْد هَذا مَا قَالَه القَاضي (٢) في وَقْتِ ذلك.

قوله: "ونحْن نقُول: لبّيك بالحَجّ": جملة في محلّ الحَال مِن فَاعِل "قَدِمْنَا". وقد تقَدّم الكَلامُ على "لبّيك" قَريبًا في الحديث السّابع مِن "بَاب ما يلبس المحرم".

وتقَدّم الكَلامُ على "نحْن"، وهو ضَميرُ رَفع مُنفَصِل، للمُتكَلّم ومَعَه غيره، أو للمُعَظِّم نفسه، ويُبنى للافتقار إِلَى مُفسّر، كأخواته. وحُرِّك آخِره؛ لئلا يجتمع سَاكِنَان. وضُمّ؛ لأنّه ضَميرُ رَفْع لمتكَلِّم، فأَشْبَه "تَاء" "قُمْتُ"، وقيل: لأنّ "النّون" تُشبه "الواو"، فحُرِّكَت بما يُجانِسها. (٣)

وموضِعه رَفْعٌ بالابتِدَاء، وخَبره: جملَة "نقُول"، و"لبّيك. . . إِلَى أَخِره" معْمُولُ للقَول.

قولُه: "فأمَرَنَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-": هُنا محذُوفٌ، أي: "أمَرَنَا بفَسْخها؛ فجَعَلناها عُمرة"، أو "أمَرَنا بأنْ نجعَلها عُمرة؛ فجَعَلناها عُمرة".

والضّميرُ في "جَعَلْنَاها" يعُود على "الحجّة" وإنْ لم تُذكر؛ لأنّ الكَلامَ يدُلُّ عَليها. أو يكُون الضّمير يعُود على "التلبية"؛ لأنّها تقَدّمَت بالحَجّ، أي: "فجَعَلنا


(١) متفقٌ عليه: البخاري (١٥٦٢)، ومسلم (١٢١١/ ١١٨) من حديث عائشة.
(٢) انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (٤/ ٢٣٧).
(٣) انظر: شرح المفصل لابن يعيش (٢/ ٣٠٦، ٣٠٧)، اللمحة (٢/ ٩٠٤)، الهمع للسيوطي (١/ ٢٣٧ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>