للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومثلُه: "لاطِف زيدًا، فإنَّ الغَضَب من الشّيطان"، أي: "إن لم تُلاطفه غضب".

قوله: "من فيح جَهنّم": يتعلّق بخبر "إن"، و"مِن" هنا للتبعيض، وقد تقدّم الكلام على "من" الجارّة في الحديث العاشر من أوّل الكتاب.

و"شدّة الحر" مصْدَر من "اشتدّ"، مُضافٌ إلى فاعله، والمصدَر قد يُضاف إلى فاعله وإلى مفعوله إن كان فعله مُتعدّيًا (١)، والأصلُ إضافته إلى الفاعل، وهو مذهب سيبويه (٣).

قيل: إنّ رجُلين كان لهما دِرَاية في هذا العِلم، فأحوَجهما الزّمان إلى أنْ يخدما عند بعض أهل العلم [في خيمته] (٣) بالأجرَة، فلما حضر الغَداء جَلسا للأكْل، ومع أحدهما الخبز وحْده، والآخر معه خُبز وجبن، فسَأَل الذي ليس معه جبن صاحبه أن يُعطيه من جُبنه، فأعطَاه منه شيئًا يسيرًا جدًّا. فقال له بعد أن أخَذه منه: "عَطيَّة الرّجُل على مقداره". فقال له المعطي: "صَدَقت". فقال له الآخذ: "ليس هذا مذهَب سيبويه".

قلت: أراد الآخذُ أنّ ["عطية"] (٤) وإن لم يكُن مَصْدرًا فهو اسم مصدَر، يجري مجرَى المصدَر. فالمعطي إنما أعْطى على قَدْره، لا على قَدْر الآخِذ. فهو يصلح أن يكُون مُضافًا إلى الفاعل، ويصلح أن يكون مُضافًا إلى المفعول، وهو الآخِذ، فلما قال الآخذ: "عطيّةُ الرجُل على قدْره"، قال له المعطي: "صدقت"، بمعنى أنّ المصدر مُضاف إلى المفعول، فقال الآخذ: "ليس هذا مذهب سيبويه، بمعنى أنّ اختيار سيبويه إضافة المصدَر إلى الفاعل. هذا تلخيص ما ذكره في شرح ابن الحاجب (٥)


(١) انظر: شرح ابن عقيل (٣/ ٩٣ - ٩٨)، وشرح المفصل (٤/ ٧٢).
(٢) عبارة سيبويه يُفهَم منها استواء الأمرين. انظر: الكتاب (١/ ١٨٩ - ١٩٤).
(٣) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(٤) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(٥) يقصد: شرح مختصر ابن الحاجب في فروع المالكية.

<<  <  ج: ص:  >  >>