للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: لا يجوز أن يكون من باب الإعمال، وإن كان كل من "مستقر" و "متاع" يقتضيه المعنى؛ لأنّ الأوّل لا يصح أنْ يعمل فيه لما يلزم من الفصْل بين المصدَر ومعموله بالعطوف، والمصدَر موصُول؛ فلا يفصل بينه وبين معمُوله.

قلتُ: المصدر من حيث هو مصْدَر لا يكون موصُولًا، إلا أنْ يلحظ فيه معنى الحدوث؛ فيقدر بحرف مصدري وفعل، فحينئذ يكون موصولًا. فإن لم يلحظ فيه ذلك: لم يكن موصولًا، نحو: "لزيد معرفة بالنحو" و "نظر بالطب" و"ذكاء ذكاء الحكماء"، فمثل هذا لا يُتقدّر بحرف مصدري وفعل، حتى إنّ النحويين ذكروا أنّ هذا المصدر إذا أضيف لم يحكَم على الإسم بعده برفع ولا نصب، فقولك: "يعجبني قيام زيد" مثل قولك: "يعجبني خاتم زيد" (١)، وهذا الذي قاله الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ- فيه فوائد يحتاج إليها المعرب؛ فلذلك ذكرته بنصه.

ومن ذلك قولهم في قوله تعالى: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ} [غافر: ١٠]، ذكروا أنّ العامل في "إذ" لا يجوز أن يكون المقت الله"، ولا "مقت" الثاني. أمّا الثاني: فلفساد المعنى؛ لأنهم إذ دعوا إلى الإيمان ما مقتوا أنفسهم. وأما الأوّل: فلأنه مصدر، وقد فصل بينه وبين متعلقه بالخبر؛ فالعامل إذن فعل محذوف، أي: "مقتكم إذ تدعون".

وقال الزمخشري: العامل: "لمقت". ورُدّ عليه.

ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ} [الطارق: ٨، ٩]. قالوا: التقدير: "يرجعه يوم"؛ للعلة المتقدّمة (٢).


(١) انظر: البحر المحيط (١/ ٢٦٥, ٢٦٦). وراجع: شرح الكافية (٢/ ١٠١٧)، وشرح ابن عقيل (٣/ ١٠١)، وحاشية الصبان (٢/ ٤٣٦).
(٢) انظر: الكشاف (٤/ ١٥٤)، والمحرر الوجيز (٤/ ٤٩)، والبحر المحيط (٩/ ٢٣٧، ٢٤٠)، (١٠/ ٤٥٢)، واللباب لابن عادل (١٧/ ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>