وعبد الله وعبد السلام الكازروني، وابن العجمي الشويكي.
وقد حدّث ودرّس وأفاد، وإليه انتهت الرياسة بالمدينة النبوية، وأقام مدرسًا للطائفة المالكية ومتصدرًا للاشتغال بالحرم النبوي أكثر من خمسين سنة، وانفرد في آخر عمره بعلو الإسناد، فلم يكن في المدينة أعلى سنًا وسندًا منه، وكان صبورًا على السماع والأشغال، وكان كهفًا لأهل السّنة، يذب عنهم، ويناضل الأمراء والأشراف، وانتهى بذلك إلى أن امتحن؛ فرُصد في السّحر بطريق الحرم فطعن طعنة عظيمة أريد فيها قتله، فصرف الله شرّها، وعافاه منها.
قال اليعمري: وكان عليه مَدار أمور الناس بالمدينة النبوية، وناب في القضاء نحو أربعة وعشرين سنة، وأمّ في المحراب النبوي في بعض الصلوات، ودُعي إلى أن يقوم بالخطابة والإمامة نائبًا فامتنع إعظامًا للمقام النبوي. وكان كثير التلاوة ليلًا ونهارًا، خصوصًا في آخر عمره، حتى إني شاهدته في أيام الموسم والنّاس في أشد ما هُم فيه من الاشتغال وهو مشغول بوِرْده في التّلاوة لا يقطعه عنه شيء، وكان يحيي غالبًا الثّلث الأخير من الليل بالصّلاة والتّلاوة من حَداثة سنّه إلى أن ثقل بمرض الموت -رحمه الله- ... ولم يخرج من المدينة إلّا إلى مكة المشرّفة للحَج إلى أن مات بالمدينة. وكان ممن جمع الله تعالى له العلم والعمل والدنيا والدّين، فكان أعظم أهل المدينة يسارًا، وأكثرهم عقارًا، وأوسعهم جاهًا، وأنفذهم كلمة، وأعظمهم حُرمة، وألينهم عريكة، وأحسنهم بشاشة، صبورًا على الأذى، يجزي بالحسنة السيئة، ويسع الناس بخُلقه، ويواسي الفقراء بمعروفه، ويصل أعداءه ببره، ويحفظ من مات منهم في ذريته. وبهمّته وسياسته أزال الله تعالى أحكام الطائفة الإمامية من المدينة؛ فعُزلت قضاتهم، وانكسرت شوكتهم، وخمدت نارهم، وذلك أنه لما باشر الأحكام نيابة عن القاضي تقيّ الدّين الهوريني في سنة ست وأربعين وسبعمائة سعى في عَزل قُضاتهم؛ فنُودي في شوارع المدينة بتبطيل أحكامهم والإعراض عن حُكامهم، فكان ذلك أوّل أسباب قُوة أهل السّنة وعلو أمرهم، وكم له من حَسنات في تمهيد إعزاز السّنة