للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلام ابن حجر - غفر الله له - المتقدم في تقرير كونها أول واجب يفهم منه القول بأنها كسبية نظرية لا فطرية ضرورية؛ إذ لو كانت فطرية ضرورية لما كان تحصيلها واجبًا على المكلف لتحققها أصلًا، فضلًا عن أن تكون أول الواجبات.

والصحيح: ما ذهب إليه عامة السلف - رحمهم الله - من أن معرفة الله تعالى في الأصل فطرية ضرورية، والاكتساب والنظر طارئان عليها؛ إذ قد يعرض للفطرة ما يفسدها فتحتاج حينئذٍ إلى الاكتساب والنظر.

والمراد بالنظر الذي قد يُحتاج إليه في تقريرها هو مطلق النظر لا النظر العقلي الذي أوجبه المتكلمون - كما سيأتي -.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحِمهُ الله في تقرير ذلك: "الصحيح أنها فطرية ... ولكن قد يعرض للفطرة ما يفسدها، فتحتاج حينئذٍ إلى النظر، فهي في الأصل ضرورية، وقد تكون نظرية، ثم المعرفة الواجبة لا تتعلق بنظر خاص، بل قد تحصل ضرورية" (١).

ويقول أيضًا: "المعرفة وإن كانت ضرورية في حق أهل الفطرة السليمة، فكثير من الناس يحتاج فيها إلى النظر، والإنسان قد يستغني عنه في حال، ويحتاج إليه في حال" (٢).

والأدلة على ذلك متظافرة من الكتاب، والسنة، والفطرة، والعقل.

فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: ١٧٢].

فالله تعالى أشهد ذرية آدم على ربوبيته سبحانه فأقروا له بذلك واعترفوا ثم أشهدهم على هذا الاعتراف، وسواء كان هذا العهد قبل الخروج إلى الدنيا في عالم الذر أو كان عهد الفطرة - على خلاف بين أهل العلم - فإن ذلك لا يؤثر في دلالة الآية على المقصود (٣).


(١) مجموعة الرسائل الكبرى (٢/ ٣٤١)، وانظر (٢/ ٣٤٥ - ٣٤٦)، مجموع الفتاوى (٢/ ٦) (٦/ ٧٣).
(٢) درء التعارض (٨/ ٨).
(٣) انظر: المصدر السابق (٨/ ٤٨٦ - ٤٨٧)، والروح لابن القيم (٢/ ٥٥٥ - ٥٥٩).

<<  <   >  >>