للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي يظهر أن من قاتل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أو في زمانه بأمره أو أنفق من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنًا من كان، وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث ...

والأحاديث المذكورة ... لا تدلّ على أفضلية غير الصحابة على الصحابة؛ لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضًا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل فأما ما فاز به من شاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد ... " (١).

خامسًا: عدالة الصحابة:

قرر ابن حجر - رَحِمَهُ اللهُ - عدالة جميع الصحابة، وحكى إجماع أهل العلم عليها، ورد على من قصرها على من لازم النبي - صلى الله عليه وسلم - ونصره منهم.

يقول في ذلك: "اعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب على كل أحد تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم، والكف عن الطعن فيهم، والثناء عليهم، فقد أثنى الله - سبحانه وتعالى - عليهم في آيات من كتابه"، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في "الأحاديث الكثيرة الشهيرة ... [بما] يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه؛ لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد، ونصرة الإسلام ببذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين القطع بتعديلهم والاعتقاد بنزاهتهم، هذا مذهب كافة العلماء ومن يُعتمد قوله، ولم يخالف فيه إلا شذوذ من المبتدعة الذين ضلوا وأضلوا، فلا يُلتفت إليهم، ولا يعول عليهم ...

وزَعْمُ المازري (٢) اختصاص الحكم بالعدالة بمن لازمه ونصره دون


(١) فتح الباري (٧/ ٦ - ٧).
(٢) هو محمد بن علي بن عمر التميمي أبو عبد الله المازري، أشعري المعتقد، مالكي المذهب، من مؤلفاته: المعلم بفوائد مسلم، شرح التلقين، إيضاح المحصول من برهان الأصول وغيرها. توفي سنة ٥٤٦ هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (٢٠/ ١٠٤)، شذرات الذهب (٤/ ١١٤).

<<  <   >  >>