للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: مذهب ابن عبد البر (١) والقرطبي (٢) - رحمهما الله - وهو أن الصحابة أفضل ممن جاء بعدهم جماعات لا أفرادًا، وأنه يمكن أن يكون فيمن بعدهم من يفوق أحدهم.

والحق ما عليه الجمهور لتواتر الأدلة الدالة على تفضيل الصحابة على من بعدهم وإطلاقها بما يفيد عمومها في أفرادهم.

والأحاديث التي استدل بها ابن عبد البر والقرطبي - رحمهما الله - على مذهبهما لا تخرج عن ثلاثة أحوال: إما أنها ضعيفة فلا يحتج بها، أو حسنة، أو صحيحة بمجموع طرقها فهي دون الأحاديث المطلقة في الصحة.

وجملة الأجوبة عنها ثلاثة أيضًا:

أحدها: أنها لا تستلزم المساواة فإنه قد يكون في المفضول مزية لا تكون في الفاضل.

وثانيها: أن ما تدل عليه من المساواة إنما هو باعتبار ما يمكن أن يجتمعا فيه وهو عموم الطاعات المشتركة بين سائر المؤمنين فهذا الذي يقع فيه التساوي، أما ما اختص به الصحابة من المشاهدة والسابقة فإنه لا يسع أحدًا أن يأتي بما يقاربه فضلًا عن أن يماثله.

وثالثها: أن ما تدل عليه من المساواة المقصود به ما يظهر للرائي دون ما هو حقيقة في نفس الأمر (٣).

وبكل حال فما قرره ابن حجر - رَحِمَهُ اللهُ - في هذه المسألة مستفاد من كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني - رَحِمَهُ اللهُ - ولعله المشار إليه في قوله المتقدم "أشار بعضهم ... ".

يقول الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: "الصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين، لكن هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد؟ محل بحث وإلى الثاني نحا الجمهور، والأول قول ابن عبد البر.


(١) انظر: الاستذكار (١/ ٢٣٦ - ٢٤٠).
(٢) انظر: تفسيره (٤/ ١٧١ - ١٧٣).
(٣) انظر: شرح صحيح مسلم (٢/ ١٤١)، منهاج السنة (٤/ ٦٠٠)، مجموع الفتاوى (٤/ ٥٢٧)، تحقيق منيف الرتبة (ص ٧٤)، فتح الباري (٧/ ٧)، فيض القدير (٤/ ٢٨٠) (٥/ ٥١٧).

<<  <   >  >>