للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المكرمة فأمر من وراء العقل؛ إذ لا يسع أحدًا أن يأتي من الأعمال وإن جَلَّت بما يُقارب ذلك فضلًا عن أن يماثله.

ومن ثم سئل عبد الله بن المبارك، وناهيك به جلالة، وعلمًا، أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟

فقال: الغبار الذي دخل أنف فرس معاوية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير من عمر بن عبد العزيز كذا وكذا مرة.

أشار بذلك إلى أن فضيلة صحبته - صلى الله عليه وسلم - ورؤيته لا يعدلها شيء ...

فالصواب ما قاله جمهور العلماء سلفًا وخلفًا ... أن من بعدهم لو عمل ما عساه أن يعمل لا يمكنه أن يُحَصِّل ما يقرب من هذه الخصوصية فضلًا أن يساويها، هذا فيمن لم يفز إلا بذلك، فما بالك بمن ضم إليها أنه قاتل معه - صلى الله عليه وسلم - أو في زمنه بأمره، أو نقل شيئًا من الشريعة إلى من بعده، أو أنفق شيئًا من ماله بسببه، فهذا مما لا خلاف في أن أحدًا من الجائين بعده لا يدركه، وثم قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: ١٠] ... " (١).

التقويم:

اتفق أهل العلم على أفضلية من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقام معه، أو روى عنه، أو قاتل بين يديه، أو أنفق من ماله بسببه على من بعده (٢).

واختلفوا فيمن ثبتت له الصحبة وليس له إلا مجرد رؤيته - صلى الله عليه وسلم - هل يفضل كل من بعده أو يمكن أن يكون فيهم من هو أفضل منه، على قولين:

الأول: مذهب الجمهور وهو أن الصحابة أفضل ممن جاء بعدهم جماعات وأفرادًا مطلقًا (٣).


(١) الصواعق (٢/ ٦١١ - ٦١٤).
(٢) انظر: فتح الباري (٧/ ٦، ٧).
(٣) انظر: شرح أصول الاعتقاد (١/ ١٦٠)، شرح صحيح مسلم (٢/ ١٤١) (١٦/ ٩٣)، منهاج السنة (٤/ ٦٠٠)، مجموع الفتاوى (٤/ ٥٢٧)، تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة للعلائي (ص ٧٤)، فتح الباري (٧/ ٦ - ٧)، فيض القدير (٤/ ٢٨٠) (٥/ ٥١٧).

<<  <   >  >>