الحديث ... فكانوا يستثنون في الإيمان، وهذا متواتر عنهم، لكن ليس في هؤلاء من قال: أنا أستثني لأجل الموافاة، وأن الإيمان إنما هو اسم لِمَا يوافي به العبد ربه، بل صرح أئمة هؤلاء بأن الاستثناء إنما هو لأن الإيمان يتضمن فعل الواجبات، فلا يشهدون لأنفسهم بذلك، كما لا يشهدون لها بالبر والتقوى؛ فإن ذلك مما لا يعلمونه وهو تزكية لأنفسهم بلا علم ...
وأما الموافاة فما علمت أحدًا من السلف علل بها الاستثناء، ولكن كثيرًا من المتأخرين يعلل بها من أصحاب الحديث من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وغيرهم، كما يعلل بها نظارهم كأبي الحسن الأشعري وأكثر أصحابه، لكن ليس هذا قول سلف أصحاب الحديث" (١).
رابعًا: هل الإيمان مخلوق أم لا؟
ساق ابن حجر رحمه الله أقوال الناس في خلق الإيمان وعدمه، ورجح ما رآه منها، حيث قال:
"قال جمع من الحنفية: الإيمان مخلوق، وكلام أبي حنيفة صريح فيه.
وقال آخرون منهم: غير مخلوق.
وهما متفقان على أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله سبحاته وتعالي، وبالغ جمع منهم فكفروا من قال بخلقه لِمَا يلزم عليه من خلق كلامه سبحانه وتعالى ...
والقول بعدم خلق الإيمان لم ينفرد به الحنفية بل نقله الأشعري عن أحمد وجماعة من أهل الحديث ومال إليه، لكن وجَّهه بأن الإيمان حينئذ ما دلّ عليه وصفه تعالى بالمؤمن فإيمانه هو تصديقه في الأزل بكلامه القديم لإخباره بوحدانيته وليس تصديقه هذا محدثًا ولا مخلوقًا تعالى الله أن يقوم به حادث، بخلاف تصديقه لرسله بإظهار المعجزة فإنه من صفات الأفعال وهي حادثة عند الأشاعرة قديمة عند الماتريدية.
وبذلك علم أنه لا خلاف في الحقيقة، لأنه إن أريد بالإيمان المكلف